أنا أكبر من عمر النكبة ولكنني ما زلت اتذكر وما زلت أحن للجذور كجيلي، أتذكر فلسطين وطني، اتذكر بشكل خاص طفولتي التي حرمت منها بنزعي من الجذور، من الدار والاهل والاجداد في لفتا.
أتذكر الحارة واللعب” بيت وبيوت” مع الاخوات وبنات الجيران، تحت شجرة الوردة الحمراء على الدرج. اتذكر شجرة التوت العالية وشجرة الاسكدنيا في حاكورة جدي، ما زلت اتذكر حرش شنلر وأنا اهرب مع أولاد وبنات الحارة من الحجي حارس المكان الذي لاحق شيطنة العصافير التي تقطف قطوف العنب. أنا لم أنس كما لم ينس الكبار قبلي قصصهم المرتبطة بالأرض والتراب والشجر.
في هذا التاريخ 15 أيار، بالذكرى السبعين لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه عام 1948 ،ورغم طول السنين على جريمة العصر، بإقامة” إسرائيل” ها هو صوت الشعب الفلسطيني من صغير وكبير تحت الاحتلال وفي أماكن الشتات ما زال يرتفع في كل مناسبة مذكراً بحق الشعب الفلسطيني بالعودة لوطنه فلسطين وإن مات الكبار، فالصغار لم ينسوا كما كانت تعتقد جولدا مئير.
الجديد في عام النكبة هذا، هو رفع وتيرة الظلم والعذاب الذي يحيق بالفلسطينيين وسياسة التطهير العرقي التي يقوم بها المحتل وتحيّز أمريكا لإسرائيل المحتلة، من أجل تصفية القضية الفلسطينية في “صفقة العصر”، التي تحمل في مفاهيمها أكثر من معنى ليس لفلسطين فحسب، بل للمنطقة، وبخاصة للدول التي تؤمن بحق الشعب الفلسطيني بالعودة، وإقامة دولته المستقلة.
يخرج الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال اليوم في هذه الذكرى السوداء، مدفوعاً بمشاعر الانتماء لأرض وتاريخ ووطن جميل سرقه المحتل، يخرج بشيوخه وشبابه وأطفاله من ذكور وإناث، ليقولوا لا .. كفى ما تفعل أيها المستعمر … نحن عائدون .. هذا الزحف الكبير الذي استعد له الكبير والصغير بالحجر، والعصا، والطائرات الورقية، ونيرات الكاوتشوك، وعزيمة العمال والصيادين، وبأرواح الشباب، تؤكد مواصلة ايمانهم بحق العودة الذي لا يمكن إسقاطه. يطالبون بحقهم الثابت الذي ظل حيّاً رغم ما يلف القضية من غموض وألاعيب، وبخاصة أن اسرائيل وأمريكا تصم آذانها عن تطبيق قرار العودة 194 الذي اتخذته الامم المتحدة كحق ثابت لا يزول مع الزمن، وهو حق شرعي ثابت وقانوني.
أنا ايها الشباب من القرى المهجرة تحت الاحتلال، قريتي لفتا/، القدس تناديني لأكون معكم وإن كنت بعيدة خارج الحدود، إلا أنني قادمة رمزياً مع قافلة قرية لفتا على ظهر شاحنة حامد صفران اللفتاوي الجاثمة امام( جمعية لفتا الخيرية) في رام الله والتي هاجر على ظهرها قبل سبعين عاماً الى رام الله، لتظل تحمل “ذاكرة الكبار والصغار”. أعود على ظهرها مع شباب لفتا البسلاء وقد كتب عليها ابنه عماد الذي ولد بعد النكبة “راجعينلك يا دار بترك أبوي الختيار”.
أما ترمب، وابنته وزوج ابنته كوشنر وقومهم، فسيأتون على ظهر طائرة خاصة ليحتفلوا على طريقتهم الخاصة في القدس بافتتاح السفارة الأمريكية. سيشربون مع نتنياهو نخب الاحتلال المستمر في جريمة العصر وسفك دماء الاطفال والنساء التي لم تتوقف منذ مذبحة دير ياسين بتاريخ 9 نيسان 1947، راح ضحيتها المئات بينهم 35 امرأة حامل. سيشربون نخب اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة أبدية لدولة مارقة يتفرج عليها العالم وهم يقرعون أجراس العودة ودعاء المساجد علَ العالم يسمع … .