في هذا اليوم 17 ابريل منذ السبعينيات، وطبيعة فلسطين منسوجة بالأزهار والأمل، ترتفع الأصوات للتنديد بالاحتلال وممارساته الإجرامية ضد الأسرى في سجون الاحتلال المبعثرة في كل المناطق لتحرم أصحاب الارض البهية من الاحتفال بحب الوطن.
السجون التي تضم أكثر من 600 من المناضلين والصامدين والرافضين للاحتلال، هم هناك لأنهم عبروا عن حبهم للوطن السليب ولم يرحم الاحتلال الإسرائيلي الأباء والأمهات والأولاد والبنات من كل الأعمار بالبطش بهم. هؤلاء الشجعان نحييهم اليوم وهم بين القبضان. ولو بالقول أو التعبير بالكلمة المكتوبة. ولعل بعض ما كتبت في كتابي الذي يحمل عنوان ( عزوز يغني للحب : قصص فلسطينية من ألف قصة وقصة) والذي يضم ستين قصة قصيرة أذكر في بعضها بالأسرى الساكنين في القلوب والعيون، ليس فقط اليوم، بل كل يوم مع المحبة.
1- ( دمعة سعد)
لم تر أم سعد دمعة ولدها الأسير ابن العشرين. مسحها خفية وخجل أن تراها في أول زيارة بعد خمسة أعوام. استلم “طنجرة “المقلوبة بالباذنجان التي كان يحلم بطعمها المنسي. تكلم كلمات متقطعة من لسان معقود من الحرمان. شكا من ظلم السجان لحبسه في الظلام وإبعاد الشمس والهواء والأحلام في عسقلان.
سلمته الام الأشواق من الأعمام والأخوال وأولاد الحارة ومن معلم المدرسة إحسان الذي يرسل السلام، حكت له عن جدار الجلاد وقطع أوصال المكان، وعن هدم المدرسة وحبس أحمد وسعيد وبلال، أخبرته أن أصدقاءه رشقوا العسكر بالحجارة والمقلاع بعد حرق الكتب قبل الامتحان .. مضى وقت الزيارة وسعد متردد من السؤال، ثم قال :أين أبي لماذا لم يحمل عنك هذا الطعام ؟ قالت الام : مرض ومات قبل شهرين وهو يدعو لك بالفرج والحرية من قهر السجان. عاد وسأل : وكيف أخي يعقوب هل عاد من الخليج وحره الشديد ؟ قالت : عاد وهو مريض من ضربة شمس وصلت الذاكرة ويعيش في حالة نسيان . وسأل : وكيف سوسن بنت الجيران ؟ قالت تزوجت ورحلت من الجيرة للبعيد حاملة الذكريات. أجهش سعد بالبكاء … مسحت الأم دمعته وأدار ظهره وتوقف عن السؤال ….
2- ( الزنزانة رقم خمسين )
تكلم الحائط الصامت في عتمة السجان وقال : صبرت على وجعي طوال السنين من نزلاء الزنزانة رقم خمسين في عسقلان. جرحوني بقلم متسلل لأصابع نحيلة لتسجيل الآلام.وشوشت أحمد الوافد الجديد أن يجد مكاناً على جسدي الذي لم يستحم من زمن بعيد. استجاب أحمد وكتب : “ اليوم الاول رحب بي حائط وحدتي المظلمة. أنا هنا لأن الجلاد استفز جرافتي في شارع يافا، فدهست منهم ثلاثة. “ قرأ أحمد ما كتبه حسّان قبله في دفتر الشهور والايام : “ أرى جليستي الفئران في كوابيس الليل والنهار تخطف الرز واللحم والتين من أولادي سعاد ونعيم. “ وقرأ ما كتبه الخليلي الذي خرج مع صفقة شاليط : “ أسمع زغاريد أمي التي رحلت قبل وصولي وترحيب عنب الخليل. وداعاً أيها الحائط أنا ذاهب لأرجم جدار الفصل وقد أرجع عما قريب. “ قلت لأحمد : اقرأ المكتوب فوق رأسي قبل أن يأتي الجلاد، وقرأ : غداً نضرب عن الطعام لتصبح الأمعاء خاوية ويسمع العالم عن زنازين التعذيب المظلمة”.
دخل السجان يحمل حقده ورشقني بالماء علّه يغسل الوشم العتيق. وصفعني بدلو آخر ولكنه لم يستطع إزالة حبر الآلام. لم يتحرك أحمد وتابع رسم وردة على خدي ومضى يقرأ كفي . …