نشاطات ثقافية عامة متعددة نلمسها هذه الأيام في فصل الصيف في عمان، رغم حرارة الأحداث السياسية المحيطة بنا في حياتنا اليومية سواء أكانت القريبة والجارة والأبعد في العالم. ومن هذه النشاطات محاضرات وندوات أدبية، وتوقيع كتب، وحضور نشاطات ثقافية شعبية مثل سوق جارا السنوي الذي يقام في جبل عمان بين الدور التراثية القديمة ليعيد ذاكرة المكان لمن ابتعد عنه. بالإضافة إلى أن الناس على موعد مع مهرجان جرش متنوع الثقافات لينضم للنشاطات الثقافية، وكأنني أرى في ذلك موسم الهجرة من النفس وإليها أو علاقة الثقافة بالفرد والمجتمع ومحاولة تجديد الذات. هناك غربة للمثقف في عمان اليوم رغم نشاطات جادة وغير جادة من المؤسسات الثقافية، فرغم الطموحات من المسؤولين منذ عقود من الزمن، فما زالت الحركة الثقافية تعاني من مشكلة أوسع كون المثقف جزءاً من العملية الاجتماعية والسياسية المتداخلة. بالاضافة فإن عدم الاستقرار النفسي ما يجعل المثقف يضيع في أجواء بعيدة عن الواقع والخيال التي تولد الابداع. ولعل قلة عدد القراء أو انحسار جمهور القراء في نخبة محدودة، ما يشكل أزمة الإحباط التي نراها بين البعض بالاضافة للوضع الاقتصادي الذي نعيشه بسبب الحروب والتفكك الاجتماعي المتزايد. يهرب الكثيرون للمقاهي ودخان الأرجيلة، وطاولة الزهر والشدة، يصمون آذانهم وعيونهم عن المشاكل المتوالدة كل يوم. ويعلن أحد الأصدقاء المثقفين، عن توبته للكتابة والقراءة التي لا «تجدي نفعاً مادياً ومعنوياً» حسب تعبيره.
ومن جهة أخرى نرى ظاهرة ايجابية، هذه الأيام وبشكل واسع اهتمام الشباب «بالمبادرات» المتنوعة العلمية والاجتماعية والانسانية التطوعية، يقومون بها بتشجيع من الشركات الكبرى والجامعات والمنافسة الايجابية التي تسعدنا ولعل أحداً أو مجموعة تنتبه بشكل جاد، إنشاء ورشات عمل صيفية للقراءة، بالإضافة لورشات عمل لتنمية المواهب الأدبية بإشراف الأدباء المميزين.. فمثل هذه التجارب الجادة تستقطب من له الرغبة في تجاوز واقعه وهروبه الى التسلية على المقهى، وليته كان مقهى ثقافياً في الكتاب كما في الدول الغربية التي تقرأ. ولعل هذا ما نحتاجه اليوم أكثر من أي مكان آخر «المقهى الثقافي الذي في كتاب» الناجح لابقاء جذوة الثقافة حيّة عند الكثيرين قبل فوات الاوان كما أصاب صديقي المحبط الذي أدهشني بواقعه غير المريح الذي يرغمه أن يعيش في غربة قد تطول كونه لا يسمع إلا صوت ضربات حجارة الزهر التي أصبح مدمناً عليها تاركاً الكتاب مغلقاً لأن لا وقت لديه للقراءة.!!