كثيراً ما نعود الى ما اختزن من معلومات وحكم وفلسفة في مساحة من الذاكرة، لا نعرف كيف تستيقظ. فعلى حين غفلة اليوم وأنا أقرأ الجريدة ، وجدت نفسي أسترجع إحدى أقوال تولستوي الكاتب الروسي الذي جاءت في إحدى رسائله لصديق وهي :» أن نعرف حياتنا، ذلك يعني معرفتنا بأنفسنا «. توقفت عندها وأنا أشرب قهوة الصباح متجلية بالطعم الذي يصر على إشعاري بحركة الحياة اليومية وعلاقة» الأنا « للأفراد مع ما حولهم في المجتمع المحلي والعالمي. .
تذكرت فلسفة وحياة تولستوي الكاتب الروسي الذي كان كثيرا ما يعزل نفسه وقضى ردحا من حياته ومنذ التاسعة عشر من عمره يريد أن» يتعلم عن نفسه بالصميم «. تمرد على نفسه وعلى شعوره بالاستقلال الكلي الذي يسيطر عليه رغم انغماسه في الإبداع . اعترف أنه عجز عن نسيان نفسه أو تناساها وظل يشعر بالذنب حتى تصالح معها. ويعطي مثلاً بالقول : « أنا أحب الطبيعة عندما تحف بي من كل حدب وصوب ومع ذلك فيجب أن أكون في وسطها. إني أحبها عندما تغمرني أنسمها الدافئة بامواجها، وعندما تبتعد نحو آفاق لا متناهية، عندما تعير عروق العشب الطرية التي أضغط عليها اثناء اقتعادي الأرض اخضرارها الى الحقول الواسعة المترامية الأطراف».
وإذا ما توقفنا في عالم اليوم وفلسفته، نجد أن كثيراً من الاصدقاء حولنا يشبهون ذلك الانسان الضائع في وحدته ،يختفون بشكل كلي ممن حولهم، ويعيشون منعزلين مع» الأنا «، حتى وإن كانوا مع» الجمع»، يفرضون أنفسهم وأناهم وكانها الوحيدة التي ستحل مشاكل العالم المتخبط أو يبتعدون عن ا لواقع في واقع يخلقونه لأنفسهم، وبخاصة ونحن نعيش في عصر التكنولوجيا وأخواتها من الأدوات والمنصات الافتراضية التي تأخذنا للقريب والبعيد. ولعل كثرة الأحداث والقصص الواقعية حولنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية بما فيها من دهاليز وتعاريج مظلمة تولد الفقر والعذاب بالاضافة للغنى والرفاهية للبعض الآخر، تجعل البعض ينسحب من الحياة الحقيقية ويركز على» أناه « في خضم الحياة اليومية المتسارعة بكل ما فيها من غث وسمين.
ما أكتب اليوم « فلسفة « كما أرى للرد على تصرفات صديقة، ما تزال تبحث عن نفسها المتخبطة وهي تسبح في فضاءاتها الخاصة مستندة على ذاكرة متعبة واصطناعية. في عالمنا اليوم ونحن نتذوق حلاوة الحياة ومرها. فقد أصبحت حياة البعض تخاف من مواجهة اليوم والحلم بالغد، وهي تقوم بشكل دائم بالنقد السلبي، لتسمع صوتها فقط وليس صوت من يلتقون من أجل حياة أفضل. فالعمل الإيجابي من أجل الفرد والجماعة، يحتاج لتنظيم مقصود ومخطط له في المشاريع التي تشجع الريادة بين الشباب، مما يجعلهم يخرجون من سجن أنفسهم الى الحياة والعمل الجماعي بروح متفائلة وليس بلون السواد.
وفي هذا السياق،أعود لأردد، بأهمية إدماج الأفراد منذ الطفولة بتنمية الذات من قبل العائلة و المجتمع بشكل صحي، مما يحصنهم ضد الانحراف الذي نسمع عنه، الذي يدل أن هناك عالما شيطانيّا خفيّا متحللا من القيم والأخلاق، بعيد عن حماية الأسرة والمجتمع له وكما سمعنا وشاهدنا في وسائل التواصل الإجتماعي من أمثلة . ولعل حادثة» قلة الأدب « والضياع الذي مس الافراد والمجموعة في حفل» المطعم « يكفي كمثل، وإن كان التوقف عنده بشكل أكثر عمقاً ووقتاً من أهم الضروريات للنقاش ، لدراسة علاقة الفرد مع المجتمع والالتزام بالمبادئ الاخلاقية والدور المطلوب للتكامل بشكل صحي في بيئة صحية من أجل التعلم الحقيقي والواقعي..