في كثير من الأحيان نتعرض الى مناقشات مع الاصدقاء أو القراء حول ما تسمى « بأزمة الكتاب «،وتبدو أنها اصبحت موضوعا دائما على أجندة المثقفين الذين اصبح الكثير منهم مشتت البال والأحلام في التعامل مع الكتابة، سواء أكان ملتزماً بها أم هاوياً لها مثل صديقي الذي دار حوار بيننا حول الموضوع.
ولعل ذلك يأتي من واقع يشهد منذ سنين «ازمة الثقافة « بشكل عام والكتاب بشكل خاص نتيجة تأثيرات سلبية أو إ يجابية، أهمها اقتصادية وادارية ومالية وسياسية ومستوى الحرية المسموح بها للتعبير والكتابة. فرغم انحسار الامية النسبي في المجتمع وارتفاع منزلة الكتاب، يعاني الكثيرون ويتذمرون من عدم وصول انتاجهم لأوسع نطاق ممكن، وهذا ما جعل الكثيرين يترددون اليوم من الانتاج ويحاولون تبادل المعلومات عن أسباب هذا التعثر. ولعل طيف الأعاصير السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية المحلية والاقليمية التي طالت العالم العربي منذ السبعينيات من القرن الماضي وغيرت البيئة الثقافية والتعليمية وبدلت المفاهيم والمثل العليا والقيم ما جعل العلاقة غير صحية بين الكثيرين من الكتاب بالاضافة للقراء الذين كانوا يتفاعلون مع الكتب جيدة النوعية ونشات بينهم وبين الكتاب علاقة حميمية وهم يقلبون الصفحات ويتذوقون الفكر والمعاني والكلمات قبل ان يصبح الكتاب للكثيرين اليوم سلعة أكثر منه» ثقافة «.هناك مدارس خلقت مثل هذه المشاعر بين التعليم والثقافة والابداع، ليصبح الكتاب» مشروعا تجاريا « يخلخل القارئ منذ الطفولة، كون المناهج كانت وما نزال تثقل الكلمات والموضوعات بأساليب تجعل القراءة والكتاب الابداعي، غير مرغوب كغيرها من الكتب المنهجية لثقلها في الشنطة التي يحملها الطلاب لدراستها إجبارياً.
شكوى صديقي وسبب احباطه حول الكتاب، كما بدى لي هي أزمة حياتية، وبخاصة أنه «يكتب ليعيش» كما يقول، وكان واهماً أنه يستطيع في مجتمعنا الاعتماد على ريع الكتاب كمصدر اقتصادي مريح. إن ازمة صديقي الشخصية ليست فكرية او ثقافية ، بل أزمة اجتماعية واقتصادية. إننا اليوم مازلنا بحاجة ماسة للكتاب الجيد الذي يرتقي الى مستوى تعزيز المعرفة والتثقيف المفيد في حياتنا اليومية. فالكتاب الجيد حياة للمثقف الذي ينتج اليوم وهو يتطلع للمستقبل الجمعي. ولعل هذا النقاش الحميمي يجعل صديقي الى العودة لحمل القلم بعد احباط كاد أن يجمده. ولا شك أن للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية دورا كبيرافي تحفيز المبدعين المطمورين، بالاضافة لتقليل الانتاج السيئ من الكتب الكثيرة التي تصبح عبئاً على الكاتب والقارئ كون الكتاب منذ القدم انفرد بالعلاقة الانسانية الدافئة مع القارئ، ولا بد اليوم من الحفاظ على هذه العلاقة في مجتمع التكنولوجيا سريع الحركة. نعم يا صديقي هناك ازمة بين الكتاب والانسان الذي يبحث عن لقمة العيش اليوم ليكون مصدر رزق كما في الدول المتقدمة التي تعمل على تشجيع الانسان للحياة والابداع والانتاج والعمل.