هجم علينا موسم الشتاء هذا العام، بشكل عنيف، مما أدخل الكثيرين في أزمات نفسية. ولا يختلف مثقف اليوم عن أي إنسان» غير مثقف « في مواجهة مشكلة البرد التي تبدو محبطة للجميع. وقد ازدادت شكوى الناس من الطقس شديد البرودة وهم يفركون أيديهم أو بالتعبير اللفظي عن عدم الرضى من البرد في الفترة الأخيرة جيث اصبحت الشكوى ظاهرة مرضية بامتياز . لم أجد أحداً ممن أتواصل معهم عن قرب أو بعد لا يشكو من البرد والشعور بالاكتئاب.


واجه الكثيرون تحديات الشكوى بأسلوب الهروب منه بالبقاء في البيت وتقنين عدم التجوال أو التزاور ولقاء الأصدقاء، مكتفين» بالصديق الحميم الموبايل» أو التقوقع أمام التلفزيون لقتل الوقت في ركن دافئ. وبهذا الهروب ازدادت البرودة والوحدة. بالإضافة، أثرت الحالة الاقتصادية غير المريحة للكثيرين على وضعهم الاجتماعي حيث ازدادت الشكوى بسبب ارتفاع ثمن مواد التدفئة من كهرباء وسولار وغاز ونتيجة لذلك يقضي الكثيرون وقتهم في هذه الظروف البيئية بالشكوى من البرد والوحدة . ثقافتنا بشكل عام حول البيئة والتعامل معها في الشتاء بشكل خاص ما يعزز الشعور السلبي الذي نراه متفشياً بيننا. وبالمقارنة مع ناس البلدان دائمة البرودة قي أوروبا، نجد أن ثقافتهم المختلفة تحفف الشعور بالبرد والشكوى المستمرة، أولا من الناحية الاقتصادية التي تساعدهم على تدفئة بيوتهم بشكل مناسب، وثانياً ثقافة التعامل مع البيئة، حيث يستغلون تراكم الثلوج مثلاً للاستمتاع بالوقت ويعتبرونه مناسبة سعيدة، وبخاصة وهم يعلمون أطفالهم منذ الطفولة أن البرد وأدواته المادية يمكن أن تكون متعة تخلق الدفء وتغير نمط الحياة بين الفصول. بالإضافة فإن الكتاب كان دوماً للبلدان المتقدمة أحسن صديق يقضون معه وقتاً دافئاً . ولعل ظاهرة، عدم الاقبال على القراءة بيننا في أيام البرد أو الحر ما يكشف عن ثقافة ناقصة كما تشير احصائيات العالم العربي ونحن من بينها بسبب تدني نسبة القراءة بين الافراد.


كان موسم الخير والمطر كريماً في هذا الموسم الشتوي، حيث زاد عن المستويات السنوية، مما يبشر بموسم زراعي، إلا أن» غرق عمان « ومناطق أخرى وتحول الشوارع الى برك مائية خطيرة جرفت السيارات وخلقت الخوف ما جعل الكثيرين يبددون الخوف والاحباط بالتندر على واقع البنى التحتية في عمان التي من المفروض أن تكون قد اكتمل تأهيلها، ومحت ذاكرة عمان القرية التي كان الناس يغطسون بالوحل وهم يسيرون في الطرقات غير المعبدة في الثلاثينيات. غرق عمان الأخير وكما عكسته الصحافة الحديثة بواسطة الموبايلات وما شاهدناه بلا شك رفعت وتيرة الشكوى والاكتئاب بين الناس الذين شعروا بأنهم محاصرون بالمشاكل وعدم الأمان.


عمان العصرية الجميلة اليوم التي نتغزل بها بحاجة أن تسير بشكل ثابت للأمام ولا تتعثر بالحفر والمطبات التي تكشفها الشتوية التي نصلي طوال العام لكي ينهمر مثل هذا المطر الذي كان كريما ونعمة تبشر بالخير. تزامن موسم المطر مع بشائر خير من جهة أخرى، بهبات واتفاقات دولية كريمة بعد مؤتمر لندن الذي سيوفر ميزانية جيدة لاستغلالها في المشاريع التنموية، علّها تستغل لتخفيف وطأة الواقع المر. لفد آن الاوان أن تسير عمان بثقة وقوة دون خوف كل عام من المناهل والإسفلت المغشوش، وعدم القدرة على تخزين مياه السدود للأيام الجافة. نحن اليوم بحاجة لخطط طويلة المدى تؤمّن أرضاً صلبة نسير عليها دون خوف علها تأخذ بيدنا للابداع في مشاريع لقضاء أيام شتوية أو صيفية تحفز الجسم والعقل لتصبح ثقافة تتحدى الطقس والبيئة كما في العالم الذي يعمل اليوم للتصالح مع البيئة والتعامل معها من أجل حياة أفضل. ولعلنا بعد المشكلات الاخيرة، نتعلم التخطيط الصحيح من أجل صحة اجتماعية ونفسية أفضل، ويبدو أننا لا نتعلم من تجاربنا ولا تجارب الغير لحد الان.. فهل هناك أمل أن نتعلم ؟!

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment