موضوع العرب والقراءة، ما يزال موضوعا مطروقا لدى الجميع، ولعل المؤتمرات المتلاحقة والمكررة حول التعليم ومخرجاته هي الأبرز في الوقت التي أصبح الإنسان العربي يتراكض من مشروع الى مشروع في هذا العالم المتخبط . نعود ونتساءل هل يقرأ الانسان العربي ؟ وهنا لا أود أن أعود للدراسات الكثيرة التي تقوم بها المؤسسات المتخصصة بالتعليم والثقافة والتنمية والتي تقارن مستويات التعليم والتنمية في الدول العربية كل على حدة، ومن ثم بمعدل عام، وبشكل يساوي الذي يملك مع الذي لا يملك، كما تشير الاحصائيات الجامدة لكثير من المؤشرات، وبخاصة الاقتصادية، أساس التنمية وعصبها . الا أن الأرقام تظل ضرورية من أجل التحليل والمصداقية في وضع الحقائق موضع البحث . .
حسب إحصائيات جديدة لليونسكو- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم -، فإن معدل القراءة في العالم العربي لا تزيد عن ستة دقائق في السنة، وينشر في العالم العربي سنويا كتاب واحد لكل مليون شخص، -وهذا فقط للمقارنة مع أوروبا وليس للاحراج -، يصدر في أوروبا كل سنة كتاب لكل خمسة آلاف شخص، ومدة القراءة تبلغ 36 دقائق . هذه الأرقام أو المعدلات لا تأتي من فراغ، إذ يعزوها الخبراء الى عدد من الأسباب المتداخلة . ولعل السبب الأهم الذي يدركه الجميع هو ارتفاع نسبة الأمية، وعدم وجود خطط تنموية ثقافية مستدامة، بالاضافة لعدم مواكبة التطورات التربوية للتحولات التي يشهدها العالم الذي يتسارع فيه الحميع . وهناك عامل آخر يراه المختصون في التنمية، وهو ضعف القوة الشرائية وغلاء المعيشة؛ ما يجعل الكتاب لدى الغالبية العظمى من الناس ينظرون للكتاب كأحد “الكماليات”، فكيف لا والفقير لا يجد قوت يومه لشراء الأساسيات من المأكل والملبس والمسكن . إذن تدني نسبة القراءة عندنا تربوية ثقافية سياسية واجتماعية، وبلا شك ما يزيدها تعقيدا وتراجعا هو عدم الاستقرار والأمن الاجتماعي والآمان في أكثر البلدان العربية بسبب الحروب المتوالدة وبالطبع بسبب فشل المجتمع الدولي والامم المتحدة في حل القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال الاسرائيلي الذي تتعاظم افعاله الاستعمارية بالتتنكيل بالفلسطينيين تحت الاحتلال منذ سبعين عام .
نسبة عدم القراءة أو التنمية المستدامة تلقي الضوء على عظم المشكلة والمسؤوليات الواقعة على كتف الحكومات، وأيضا مؤسسات المجتمع المدني اذي يشارك في المسؤولية بطريقة غير مباشرة .ولعل تقارير الامم المتحدة للتنمية التي رأت تبديل مفاهيم التنمية البشرية كما كانت تسمى “ التنمية الانسانية “ لهو الأصح، والذي تؤخذ فيه المؤشرات الشمولية، من صحة وتعليم ومسكن، ونوع الجنس وفقر الدخل والمساواة، ومعرفة القراءة والكتابة، والانفاق على التعليم وجوانب أخرى مع البحث في عمق الجوانب الانسانية البعيدة عن الارقام .
من الجوانب الهامة، التي لابد من ذكرها في هذا المجال “الصحافة “التي لها علاقة مباشرة مع القراءة . اصبحت اليوم تواجه أيضا مشاكل متزايدة في عالم متغير، من الورق الى الرقمي والموبايلات الذكية وغيرها. ونستطيع القول أنه رغم توسيع جماهير الإعلام عبر الفضائيات والتكنولوجيا الحديثة، فإنها أثرت بشكل ملحوظ على القراءة والقراء. بالاضافة لذلك فقد أثرت على تراجع اللغة العربية والتي وضع بعض المختصين دراسات منها “ موت اللغة العربية “ . ولعل هذه التسمية تأتي من استعمال اللغة العربية استعمالا متسارعا ما يزيد الطين بلّة ، لكثرة الاخطاء اللغوية أو المطبعية وخاصة في استعمالات وسائل الاتصال الاجتماعية التي باتت الاهم للقراءة والتواصل السطحي وباللغة العامية .
لن أشير الى الأرقام المتعلقة بقراءة الصحف صديقة القارئ كل صباح، ودورها في تقديم المعلومة والتحليل، ولكن العزوف عن قراءة الجريدة الورقية والالكترونية قراءة “جيدة “ أصبحت ظاهرة لا يخفيها الكثيرون، وهم يقولون، “ أنا لا أقرأ الجريدة الا لأطلع على “ صفحة الأموات “، وإن قرأتها فأقرأ فقط العناوين “ , وهنا لا بد لي أيضا أن أتوقف لأحيي من ظل وفيّا لقراءة الجريدة من أي نوع . ومن تجربتي أن هناك من يهتم فعلا بالشأن العام، بالاضافة للقضية الفلسطينية . هناك الكثير منهم الذين أوجه لهم الشكر لأنهم يقرؤون ما يكتبه الصحافيون والمحللون من الاتجاهات المختلفة، ويتفاعلون مع الكاتب في” عموده “ ولي منهم نصيب، أرحب بهم وأشكرهم لقراءة مقالاتي في -جريدة الدستور الاثنين والأربعاء -، واهتم بالاجابة والحوار معهم عبر” الانترنت “ وألفت النظر للمفالاتي على مواقع التواصل الاجتماعي . إحدى القراء الذين يقرأون بعمق، وعلى نار هادئة الصديقة ( سلوى الحوت ) فكيف لا وهي شقيقة المرحوم شفيق الحوت رحمه الله، تصلها الرسالة، وتغوص في جوف المقالة وتعلق بذكاء وفهم وكأنها هي الكاتبة . فالقراء مثلها بلا شك يعملون على تحفيز الكاتب، للكتابة الجادة المبنية على الحقائق والمصادر الموثوقة . بالاضافة لتعزيز الرأي العام في الصحافة ووسائل الاعلام التي تعتبر” مرآة المجتمع “ . أعود لأقول، ما زال هناك من يقرأون ونرجو أن يظل صوتهم داعما لكل وسيلة تنشر العلم والخبر، كما الكتاب أو الجريدة أو الوسائل الأخرى التي نريد استعمالها ايجابيا وليس سلبيا من أجل تقليل نسبة القراءة المتدنية بيننا .