افتتح مؤخرا في بير زيت في فلسطين،” متحف فلسطين “ أو بالأحرى مبنى متحف فلسطين أحد مشاريع” مؤسسة التعاون “ المعروفة بدعم المشاريع الوطنية الفلسطينية وإحيائها . ويبدو البناء كما رأيناه عبر الفضائيات بناًء ابداعيا جميلا . بني على 40 ألف متر مربع على تلة مشرفة، ليكون البناء شامخا بمعماره الحديث . يطعم الخصوصية مدرجات حجرية كان الفلاحون والمزارعون يبنونها سلاسل لحفظ التربة وجعل الأرض الجبلية أكثر تماسكا وقدرة على حفظ الماء . أما معنى المتحف فتعني:” مقر دائم من أجل خدمة المجتمع وتطويره وهو مفتوح للعامة، تعرض فيه التراث الانساني وتطوره من أجل التعليم والدراسة ..” وفي الموسوعة العربية تعني “ دار لحفظ الآثار القديمة والتحف النادرة وروائع المنحوتات، واللوحات الفنية، وكل ما يتصل بالتراث الحضاري من تاريخ وثقافة . ولعل هذا التعريف يشير الى مدى اهتمام العالم باقامة المتاحف، ومنها المتحف الوطني الذي تملكه الدولة عادة، ومتاحف أخرى فنية وعلمية، ومن أشهر متاحف العالم اللوفر في فرنسا، والمتروبوليتان في نيويورك، وناشونال جالاري في لندن . ومثل هذه المتاحف، بلا شك تعرف الدارس أو السائح أو المؤرخ على تاريخ وثراث الدول مجبولة بذاكرة المكان والانسان، و تأتي اهمية ذلك، لأن التاريخ لا يعيد نفسه، بل يتجدد، مع حفظ الهوية لذلك البلد في حقبات تاريخية مختلفة.
وللعودة للمتحف الفلسطيني الذي يعني الكثير للفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم بعد احتلال لئيم، ومحاولة اسرائيل طمس الجغرافيا والتاريخ الفلسطيني العربي الموغل في القدم . ولعل خوف إسرائيل من هذه الحقيقة التي تهددها لأن التراث العربي والفلسطيني متجذر في الارض والانسان، ما يجعلها تهتم بالمتاحف من أجل تزوير التاريخ من خلال الارث الثقافي المادي وغير المادي . ففيها 200 متحف منها 40 معترفا بها رسميا، والباقي متاحف خاصة أو لشركات موزعة في المستوطنات والكيبتسات . بنت إسرائيل متحفها الوطني عام 1965 مع الاسف على ارض عالية جميلة في لفتا في منطقة الشيخ بدر، مع مبان للدولة منها الكينيست والمحكمة، والخارجية وغيرها . ولعل هذه الحقيقة ما يوجع القلب وأنا أكثب عن الموضوع بعد وجع أكبر، عندما كتبت كتابي الاخير ( لفتا يا أصيلة : خريفية قرية) . وفيه كيف نهب اليهود أثاث البيوت العربية واللوحات الفنية، والكتب والجرائد وأرشيفها وأدوات الطبخ والملابس التراثية الفلسطينية، التي يعرضونها في متاحفهم الثابتة أو المتنقلة، والادعاء انها من تراثهم .
المتحف الفلسطيني لم يكتمل انشاؤه بعد، وإن كمل البناء الذي لا يزال فارغا . ولا أعتقد أنه سيظل من غير المواد التي يجب جمعها وإعادتها الى “الدار “التي ستحتضن ذاكرة الانسان الذي حرم منها . فلسطين والفلسطينيون أغنياء بهذه المواد التي ستشكل المتحف، وتملأ جنباته وقاعاته الواسعة بحياة الاجداد، وكما هو علم المتاحف، فالمتحف الان بمثابة مشروع ثقافي علمي تاريخي، من المؤمل أن يحقظ ذاكرة فلسطين الاجتماعية والثقافية والسياسية، التي صنعها الانسان عبر العصور لا بل كما أرى ففلسطين نفسها هي متحف مفتوح، قي ذاكرة حيّة، ولذلك تعمل إسرائيل على هدم البيوت القديمة المميزة في الفرى والمدن والتي تحمل الهوية . ولعل سرقتها الثوب الفلسطيني التراثي والحلى التي ما زالت نساء قرى فلسطين يلبسنه ليدل على فقرها في ايجاد ما يشير لتاريخ وتراث يهودي تتدعيه بما فيه الهيكل المزعوم هيكل داوود في القدس والذي تسعى لاقامته بعد هدم المسجد الاقصى الذي هو خير متحف يحمل كل معاني الحياة السابقة والحالية .
أحد متاحف اسرائيل المضللة، هو متحف الهولكوست الذي تتاجر فيه ليصبح وجهة كل زائر لاسرائيل، للتأثير عليه عاطفيا، كما في متاحفها الاخرى للادعاء انها صاحبة الأرض، بعد سرقة ممتلكات الفلسطينيين، وهناك 13 متحفا فلسطينيا منها خمسة عاملة، أربعة في الضفة وواحد في غزة . من هذه المتاحف متحف روكفلر في القدس يعود في الزائر الى الى التاريخ القديم منذ العصر البرونزي، وفيه الاثار العربية والاسلامية والمكتبة التي كانت تضم حتى عام 1948 أكثر من 1000 كتاب، نهبتها إسرائيل لتضعها في مكتبة الجامعة العبرية مع الصحف الفلسطينية القديمة التي صدرت تحت الانتداب . وقد تصرفت اسرائيل بمحتويات المتاحف الفلسطينية التي تحمل الحراك السياسيى والثقافي .
افتتاح مبنى المتحف الفلسطيني، وإن تساءل الكثيرون عن” المحتويات الغائبة “مشروع هام جدا، وهو بحاجة، لأن يتم بناؤه بجمع الصور التاريخية الاجتماعية والثقافية والفنية والسياسية بالاضافة للأدوات الماذية من ملابس وتظريز وفنون وموسيقة وغناء شعبي وكتب بل مكتبات الجيل الذي رحل للاستفادة منها في التعليم والتثقيف عن فلسطين وذاكرتها، مع استعمال التكنولوجيا الحديثة لايصال المعلومات والرواية الفلسطينية الحقيقية . ولعل هذا المبنى الجميل الذي يتمدد على هذه الأرض الطيبة ويتنفس أريج الأزهار ورائحة زهر اللوز والليمون، وشجر الزيتون، هو أكثر من متحف لم يولد بعد، بل هو مركز ثقافيّ واسع نرجو أن تنطلق منه حناجر الشباب وتختلط مع صوت الأجداد أن التاريخ لنا والمستقبل أيضا .