عندما يقوم مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة بتعليق لوحة للقدس بالأمم المتحدة جهارا وفي عز النهار في” مقر شعوب الامم كلها “ دون أن ترجف يده أو تزوغ عينه عن ذلك المسمارالمسموم الذي دقه في الحائط ، فهذا بلا شك يعني تحدي إسرائيل للعالم بشكل عام وللفلسطينيين والعرب بشكل خاص وتعلن مرة اخرى أن القدس عاصمتها . قام بذلك وهو يعرف أن ميثاق الامم المتحدة الذي وقع في 26 يونية 1945 ، و جاء فيه “ نحن شعوب الأمم المتحدة ، وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الاجيال من ويلات الحرب … “ . رفع اللوحة دون أحترام لكل ما جاء في بنود النظام الاساسي الذي كان هدفه ابعاد الحروب ، بالاضافة لاحترام حقوق الانسان .
وبهذا التحدي يساهم في تزوير الحقائق والتاريخ .فاللوحة الكبيرة التي رفعها بوقاحة تمثل السياسة الاسرائيلية وهي تصور القدس الشرقية المحتلة وتبرزها كالعاصمة الروحية والفعلية للشعب اليهودي . وبهذا تستمر إسرائيل بتحدي العالم لزعزة أمنه واستمرارها بتحريك شرالحرب ومواصلة سرقة الارض الفلسطينية وعاصمتها القدس العربية التي فيها الحرم الشريف الشريف .
وكما هو معروف فللقدس وضع خاص دوليا ومحليا ، فبرغم أن الحرب الاسرائيلية العربية 1948 انتهت باحتلال إسرائيل لما يسمى بالقدس الغربية ، وبقيت القدس الشرقية تحت السيادة الاردنية ، كذلك حتى عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية احتلال عسكريا ، واصبحت القدس شأتها شأن الاراضي العربية الاخرى ، أراض محتلة ، تمارس إسرائيل عليها صلاحيتها كسلطة احتلال . أصرت المجموعة الدولية في عدد كبير من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الامن الدولي هذا الوصف على جميع الاراضي المحتلة بما فيها القدس الأراضي المحتلة بشكل متساو . ولكن إسرائيل من جهة أخرى وكعادتها لليوم ظلت تعارض تطبيق القوانين والاتفاقيات الدولية المحتلة وتواصل سرقة الأرض وبناء المستوطنات عليها . قامت سرائيل ضم مدينة القدس وضواحيها باتخاذ إجراءات ووضعت قوانين بحيث شملت التوسع في منطقة القدس الشرقية وتوابعها . منها حل مجلس امانة القدس الذي كان يترأسه روحي الخطيب ,، كما حظرت نشاطاته .
ولعل القانون الاستفزازي الأشهر الذي صدر عام 1960 باعتبار مدينة القدس العاصمة الأبدية للدولة اليهودية ، لهو الأكثر استفزازا ، ليس للعرب والمسلمين ،فحس ، بل لجميع الدول التي أنشأت الأمم المتحدة التي لا تحترمها إسرائيل ، ولا تلتزم بقراراتها .أما وقاحة إسرائيل في جعل مندوبها رفع صورة القدس واعتبارها عاصمتها فهذا بحد ذاته يشير الى سياسة إسرائيل التي تسير من اليمين المتطرف الى أقصاه ، وبوقاحة لا مثيل لها وهي تنتهك قرارات الامم التحدة ومجلس الامن في عقر دارها .
يأتي هذا كله والعالم مشغول بالحروب في منطقتنا بين العدو والصديق ، وبين العربي والاجنبي ، وبين” المسلم غير المسلم “باداعاءته الدينية والوطنية وما يتوالد منها من مآسي لا تنضب . وفي خضم تهميش القضية الفلسطينية ، وحرية إسرائيل بالتفنن بالممارسات غير الانسانية تعزز ذلك باستفزازات تطال القدس ، استيقظت الجامعة العربية على صوت مسمار سام دقه مندوب إسرائيل لترى صورة القدس مرفوعة تقول للعالم إنها “عاصمة إسرائيل الأبدية “ . استيقظت كما استيقظت الجيوش العربية متأخرة قبل انتهاء الانتداب البريطاني بشهر وثلاثة أيام ، 15 أيار 1948 لتدخل حرب فاشلة مع العدو الصهيوني الذي قادها عصابتي شتيرن والارغون . ومن ينس ما حل بدير يسن والقرى الفلسطينية المجاورة للقدس من وحشية وارغامها على تفريغ القرى وهجرها لتقيم اسرائيل على حساب اهل الأرض الفلسطينيين العرب ,، وقد اعلنوا الدولة المارقة بتايخ 14 ايار 1948 . لم تستطع الدول العربية ولا الجامعة العربية فعل شيئ أنذاك غير التحسر على القدس وعلى فلسطين حتى اليوم .
السؤال الملح ، هل تستطيع الجامعة العربية التي أصدرت بيان استنكار بخصوص لوحة القدس في الأمم المتحدة تطالب إنزالها بخلع ذلك المسمار المسموم ، أم سيأخذ ذلك سنينا تضاف الى السنين ال68 عمر النكبة التي مازالت إسرائيل تنتهز كل المناسبات لجعل القدس عاصمتها الابدية ؟ وهل سيظل العالم الاسلامي والعربي يتفرج على صورة القدس وما يجري لها من خلال لوحة القدس في مبنى الامم المتحدة التي لا تحترمها إسرائيل ولا تحترم ما يصدر من تشريعات وقوانين في جنباتها ؟ ؟