يهود العالم حتى وإن كانوا لا يسكنون في إسرائيل ،شرط إساسي ليكونوا إسرائيليين ، ولعل ما يجري بين يهود العالم اليوم أخذ بالتغير وقد نسميه بالصحوة. فإذا ما قارنا الإنحياز الأعمى لإسرائيل قبل نشأتها وبعد ، من يهود العالم ، نرى أن هناك تحولات نسبية .
كان لنشاط الاعلام الذي قامت به إسرائيل واعتمادها عليه بشكل رئيس دور لتحقيق أهداف الصهيونية . فقد قام الإعلام ومؤسساته المحتكرة بدور كبير في صناعة إسرائيل بتأييد من يهود العالم وخاصة في أمريكا . بالاضافة فقد لعبت المؤسسات اليهودية الناشطة اجتماعيا واقتصاديا دورا كبيرا وحتى في سويسرا الدولة المتمدنة . فمثلا، رفعت المحلات التجارية الكثيرة عشية حرب 1967 يافطات كتب عليها : سويسرا على الحياد ولكننا مع إسرائيل . سبق ذلك عام 1965 وضوح جاء في خطاب لأبا إيبان ، حيث قال في خطاب ألقاه في الكنيسيت : إن كل موضوع الصراع العربي الاسرائيلي يدور حول وجود إسرائيل لا أكثر ولا أقل . واعتمد في سياسته التأكيد على أن يهودية اليهودي لا تكتمل إلا بالهجرة الى إسرائيل ، وأن الحليف المخلص الوحيد لدولة إسرائيل هو اليهود .
تشير دراسات جادة من الباحثين اليهود في أمريكا أن هذا آخذ بالانحسار ، في أمريكا حيث لهم وجود محرك في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومؤسسات كبيرة نشأت على التحيز لأسرائيل والعمل لدعمها ماديا ومعنويا قبل وبعد وجودها . تشير لذلك دراسة حديثة عن يهود أمريكا بعنوان : ينزلون عن الطريق . فقد وجدت الباحثة فارانك مارغوليس ، أن 50% من الشباب اليهودي الامريكي قد تخلى عن ممارساته الدينية اليمينية التي تتجلى في توقفهم عن عدم لبس القبعات الدينية التي تميزهم ، بالاضافة لعدم الالتزام بتناول الطعام حسب الشريعة اليهودية ( الكوشر ) . ولم يقتصرذلك على الممارسات الاجتماعية الحياتية ، بل اصبحوا غير مكترثين باقامة العلاقات مع المؤسسات التي تمثل اليهود في أمريكا . ولا شك أن هذا الأهم ليكونوا أكثر حرية في انتقاء نمط الحياة في المجتمع الديمقراطي الذي من المفروض أن يطبق الحداثة والاعتدال دون تعصب ديني أو عرقي .
ولعل أهمية مثل هذه الدراسات الموضوعية ، بالإضافة للدراسات المتعلقة بالاعلام ودوره الكبير في التأثير على الرأي العام ، تأتي وإسرائيل ما زالت مستمرة بالانتهاكات غير الانسانية ضد الفلسطينيين تحت الاحتلال وهي مؤشر هام لأحد الاسباب التي قد تكون وراء التغيرات , بالاضافة لارتفاع نسبة المتعاطفين مع الفلسطينيين مقابل المتعاطفين مع إسرائيل . وفي هذا السياق ، فالاعلام العالمي وتطور وسائل الاعلام العربي من فضائيات وصحافة , لإيصال الخبر والصورة للعالم بشكل أوسع بمن فيهم اليهود ، تلعب دورا هاما في صحوة الضمير الانساني ليرى ما تقوم به إسرائيل من قتل الأطفال والنساء والشباب والشيوخ بدم بارد. فقبل عقدين من الزمن ، لم تكن الممارسات الاسرائيلية وانكارها لحقوق الانسان تظهر في وسائل الاعلام الغربية ، المسيطر عليها (أباطرة) الاعلام اليهود مثل ماردوخ ومؤسساته المتعددة لتحيزها المتطرف الاعمى .
وفي هذا السياق ، يبدو أيضا وجود صراع بين نتنياهو وحزبه اليميني المتشدد (الليكود ) وبين المؤسسة العسكرية، فحتى المؤسسة العسكرية ، تبدو غير راضية من الممارسات الاجرامية التي يريدها نتنياهو بشكل أعنف وأقوى من قبل الجيش الذي ينتقده نتنياهو ويريد منه تشديد قبضته وضرباته على الفلسطينيين ، ويتساءل الدارس والمراقب ، هل هذه صحوة بين اليهود في الداخل أيضا ، أم أنها صراع بين نتنياهو والعسكر على المركز ، خاصة والانتخابات المقبلة لا تغيب عن الأذهان .
لقد أصبح العالم أكثر وعيا لما يجري للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الوحشي ، وربما أصبح أكثر موضوعية لسماع الرواية الحقيقية من الفلسطينيين والمتعاطفين معهم في العالم . بالاضافة فقد أصبح النشاط الفلسطيني الشعبي أكثر تعاظما ، ولوحظ أن هناك نسبة من المتعاطفين اليهود في أمريكا تتبنى موقف الفلسطينيين بايجابية وهي تعمل بشكل جاد آخذ بالتوسع مع المؤسسات المدنية لمقاطعة اسرائيل مثل المؤسسسة المعروفة ب BDS ،اصبحت هذه العوامل مؤشرات هامة في تحركات لم تكن ملموسة في السابق . ولعل هذا يدعو الى أهمية مساندة وتقوية هذه المؤسسات التي تلعب دورا هاما في هذه القضية التي يرحل فيها الكبار ليظل الشباب يحملون الرسالة حتى العودة . !