تواجه الصحافة العربية في أكثرها أزمة وتخبط في الوقت الذي يحتاج فيه العالم العربي وسائل الاعلام وأدواتها التقليدية والجديدة من أجل تغطية الاخبار المتسارعة من حروب وصراعات . ويأتي ذلك في الوقت الذي تستمر المؤسسات الوطنية والدولية للتركيز على” الديمقراطية “ التي اصبحت كلمة افرغت من معناها لعدم امكانية تطبيقها لتكون وسيلة من اجل” التنمية المستدامة “ أي أهمية دور الاعلام في البحث عن الحقيقة في الاخبار وكيفية ايصالها للناس من أجل دفعها لحياة أفضل . ويأتي هذا التناقض أيضا ليكشف عما تعاني منها الصحافة من مشاكل ، وما يواجه الصحافيون من تعسف وقمع من قبل السلطات التي تتهيب من الرأي العام المتلقي للرسائل ، في أكثر البلدان العربية .
كانت خطة رؤساء دول العالم التي وضعوها عام 2015 تركز على خطة التنمية المستدامة ودور الاعلام فيها ، حتى عام 2030 ولكي يتمكن العالم من العيش بسلام. الا أن البيئة لذلك ما زالت غير متوفرة والطريق غير سالكة . ولعل ما يعيشه العالم العربي اليوم من حراكات سياسية منها ما هو غير واضح ويفتقر الى الشرعية القانونية سببا أساسيا . فالمواطن العربي يصطدم هذه الايام أو قبل ما الربيع العربي بقيود ومعايير لا تحترم حقوق الانسان بحدها الأدنى . فالمواطن العربي الذي منه الصحافيون يفتقر لظروف وبيئة ملائمة لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية . ولعل هذه الظروف ما يجعل مؤسسات المجتمع المدني تنطلق للعمل والتعبير عن الرأ ي العام ، بالاضافة للدفاع عن الصحافيين الذين يواجهون القمع كما نرى اليوم .
هذا الحال لما يجري للصحافة والصحافيين ليس جديدا في ظل النظم” الاتوقراطية “التي تخاف من كشف الحقائق . فقد عانى الصحافيون العرب من المجابهة مع السلطة الرسمية منذ أن كان المستعمر هو “ السيد “, سجن الصحافيون وابعدوا وشردوا واستشهدوا من أجل ايصال الحقائق والوقوف مع المواطن الذي يدافع بلده . وبالرجوع لأمثلة ، أعود لما قامت به السلطات البريطانية من تنكيل بالصحافيين الفلسطينيين تحت الانتداب البريطاني ، الذي تبع الحكم العثماني . فحال بدء الانتداب على فلسطيمن رسميا 1921 ، وضعت بريطانيا مباشرة قوانين وأنظمة منها إنشاء مكتب المطبوعات لتنظيم عمل الصحافة ومراقبتها . وانيط لهذا المكتب الاشراف على المطبوعات بجميع انواعها من صحف وكتب . ورغم وضع ملف التعليمات الصارمة فشل هذا القسم بمراقبة الصحف والكتب التي انهكت حكومة الانتداب برفض سياسة بريطانيا ورفض وعد بلفور بالاضافة رفض الهجرة اليهودية التي كانت تتدفق على فلسطين لسرقة الارض . ولاستجلاب الصحافيين الشرفاء حاولت سلطة الانتداب رشوة الصحافيين الذين رفضوها بقوة وكرامة . تطورت الصحافة وزاد عددها رغم الظروف السلطوية فقد كان للصحافة والصحافيين تأثير على الرأ ي العام الذي كان يخيف السلطة . وقد عدلت قانون المطبوعات مرارا ، كان أكثره قمعا للصحافيين قانون 1933 سيء السمعة الذي أطلق عليه الصحافيون صفة “الجائر “ واسمتهم “ أصل البلاء “ . لعبت الصحافة دورا وطنيا مشهودا في ثورة 1936 ، وقد ذاق الصحافيون مرارة السجن مع المناضلين الشرفاء وكان لهم مواقف تدافع فيها عن حقهم وحق المواطنين بالحرية والعدالة الاجتماعية ورفض الاستعمار الانجلو صهيوني . . كان من أسباب توقيف كمارأتها السلطة : التحريض على المظاهرات والاخلال بالامن ، ونشر المقالا ت “النارية “ ، أو بحجة عدم صحة المعلومات ونشر الاشاعات .
إن لكل نظام سياسي قوانين للصحافة ، كما دساتير تحمي حقوق الانسان وقد اصبحت كل بلد تتغزل وتشيد بقوانينها . إلا أن الحقيقة تظل في كثير منها حبرا على ورق . ، اهداف متشابهة في ثورات الشعوب في التاريخ ، كما صحافتها التي أصبحت وثائق تارخية للباحثين لمعرفة الحياة الاجتماعية ، والسياسية والاقتصادية ، كا حرية الرأي والتعبير . ما يجري اليوم للصحافة العربية في خضم الثورات ، والاخفاق في التحول الديمقراطي لا يعود الى اصول ثقافية ، بل إنه يعود الى فشل القوى السلطوية والشمولية التي تستعمل مفاهيم خاطئة للديمقراطية والحرص على خدمة مصالحها وليس مصالح الوطن أو المواطنين . وسيظل الحق في المشاركة والدفاع عن حرية الصحافة والصحافيين من أهم وأقوى بنود حقوق الانسان . !