من الملاحظ في المدة الأخيرة نشر وتبادل المعلومات على وسائل الاتصال الاجتماعي منها ما يتعلق بالثقافة الشعبية . أشعر بسعادة أن هذه الوسيلة تساهم في نشر المعلومات وتذكر بها وبخاصة أن إسرائيل ، تحاول طمس التراث والهوية الفلسطينية والادعاء انها من تراثها . إحدى هذه الفنون هو الثوب الفلسطيني التقليدي الذي ما يزال يغيظ العدى ، لأنه يحمل جذور أرض فلسطين وتاريخها الاصيل .
في كتابي لفتا يا أصيلة :خريفية قرية أفردت صفحات عن الثوب الفلسطيني التقليدي المطرز والمعروف” بالثوب الفلاحيى “ ويتميز بجماله ورموزه ولأن يحمل الهوية الاصيلة التي ما زالت حية منذ لبسته الجدات الكنعانيات قبل ألاف السنين . بقي له منزلة خاصة لأنه يرمز للأمهات اللواتي طرزنه باليد بالخيط والإبرة ، وبألون الفرح المنقولة عن الأرض الفلسطينية الطيبة. هذه الخصوصية تلهم المبدعين والناشطين والكتاب والصحفيين والشعراء والفنانيين . وظل الكثيرون يحنون لثوب الأم كما يحن درويش لخبز وقهوة أمه . ولعل مقتطفات لمبدعين لبست امهاتهم الثوب الجميل عبروا عنها في كتابي( ص 174 و184) تؤكد ذلك :
يقول الكاتب الصحفي علاء أبو زينة ، من قرية : “ كان الثوب الفلسطيني التقليدي لا يشترى من السوق بلا عاطفة كفساتين اليوم ،وإنما يصنع قطبة قطبة ،بدأب عاشقة وبراعة فنانة ، وعندما يستوي الثوب مكتملا ، محملا بذلك الستان الكامل الورود والالوان …بالنسبة لنا نحن المولودون بالمنفى كانت اثواب الأمهات المميزة تعني بالضبط فلسطين…” .
ويصف الكاتب الصحفي ماهر أبو طير ثوب جدته : “ قالت لي جدتي مريم ذات مرة أن الأثواب المصنوعة في المصنع ليست جميلة لأن السر في يد من تصنع الثوب خيطا تلو خيط ، لأن الثوب روح صاحبته … إن اختصار التطريز بمرور السنين بدا لي نظيرا لتحول الهوية ونوعا من الجفاء …”
ويصف الشاعر أبراهيم نصر الله ثوب أمه على الجسر : “ من أبصرها بالثوب القروي هناك واقفة بالزيتون ، /وبالشمس الجالسة على أطراف أريحا / من أبصرها في تلك اللحظة كالحقل وكالمهرة / أو موجة قمح طائرة / رفع الكفين الى الله تمنى أن تصبح أمه / كانت خمسة الاف سنة / من سيرة أمواج البحر هناك ملثمة / وانتفض حمام الثوب الهادئ ثانية / فارتجف الجندي القابع في الكاكي المبتل بدم صغير من بيروت وتقدم يتعثر/ يا أمرأة هذا الثوب لنا .. .. “
ويعبر الشاعر الكاتب د. ابراهيم السعافين ماذا يعني ثوب أمه له : “ .. .. “ يرف على ثوبها الملكي الذي طرزته /اغاني الصبايا / وجوف كرات الحرير/ مئات الابر /به منطيوف الشعالع/ وما ند في أرض كنعان/ من شجر عاشق أو زهر /تنام العيون وثوب الجميلة/ يوقظفي الليل عين السهر/ متى ينشر الثوب أحلام / في عيون الدوالي / وتسرح فيه رفوف الصبايا/ وتعشقه الارض عشق المطر . “
وتصف الشاعرة روز الشوملي ثوب الجدة التلحمية : “ كان التطريز يغطي القية المربعة تبدأ من تحت الخصر حتى أسفل العنق، وكان يعشش عصفوران رسما بخيط من قصب ذهبي أصفر رفيه مشغول بخيط من اللون نفسه على فطعتي المخمل الخمري يقلبل كل منهما آخر كحارسينلفتحة صدر الثوب عند العنق . “
يصف الصحفي الجاد محمد خروب : “ عندما كنت أرى الثوب المطرز على جسد امي المتعب والمنهك وكيف كانت تنظر “ بجسد “ الى الاثواب المطرزة ب “عروق مختلفة خاطتها أيدي بنت المخيم لغير اللاجئات .. كان الفارق ينضج صارخا ، لدى طفل يافع ..، فكيف لأمرأة جميلة ولكن فقيرة أن لا تشعر بالغضب لعدم امكانها شراء قطعة قماش وبعض “طبب “ الحرير كي تطرز لنفسها ثوبا وخصوصا أنها تتقن هذه الصناعة . “
يصف الفنان التشكيلي والصحفي حسين نشوان: “ … كانت وكأنها تتحدث عن لوحة فنية، وهي تجلس مع الجارات لنقل القطبة لرسم الحدائق المطرزة التي كانت تستهويني بجمالها .. ومن هذه العروق التي عرفت في قرى الخليل : رف البط والسرو والورد ، بالالوان الاخضر والأ حمر على القماش الاسود .. زيّ قرى الدوايمة ليس مجدرد رداء ، فقط فهو ينطوي على محمول التاريخ والفن ابتكرته المرأة على مر الزم ، ليغدو هوية كمطرزة ؤبالحرير “ .
ويصف الاديب أجمد طمليه ثوب أمه : “ للثوب التقليدي المطرز طقوس في قريتنا ، إذ كانت تقوم بتطريزه أكثر من امرأة ، فواحدة تأخذ اليد اليسرى والأخرى اليمنى ,,,,, ما أن تلبس أمي الثوب حتى يتحول الى مخزن .. كان الثوب ملازما لها فما أن تبزغ الشمس حتى تسرع لارتدائه.. وكانت ترى أن المرأة من غير ثوبها التقليدي “عارية “ .
تؤكد الفنان تمام الاكحل شموط أن زوجها الفنان إسماعيل شموط نسج الهوية ورسمها في العديد من لوحاته ، إحداها بالثوب الجميل تقول : أنا فلسطينية . “
وتقول الفنانة التشكيلية سامية طقطق الزرو : “ أصبحت البس الثوب في كثير من الاوقات بعدما سكنت في رام الله التي تلبس الثوب الجميل إضافة أن له وجود كبير في لوحاتي . “
إنه التاريخ والبيئة والحياة والمرأة الفلسطينية ومن يحب الجمال من يحافظ على هذا التراث الغني والثمين ، فلنفتخر به ونحافظ على روح الجدات الجميلة ..