كقارئة مدمنة على قراءة الجريدة الورقية الى جانب الجرائد الالكترونية، توقفت طويلا وقرأت كل كلمة في تحقيق صحافي – لحسين كريشان في الغد – عن قرية فقيرة في لواء الشوبك أي في الجنوب . وكما هو معروف عن” جنوب العالم “كله فهو أفقر من” شمال العالم “. ما يلفت النظر أن هذا التحقيق بدا لي من أهم الاحداث التي نشرت في الجريدة لهذا اليوم . السبب واضح لمن درس علم الصحافة ويكتب فيها أو يتعاطى معها، أول، لأنه نشر على الصفحة الأولى مع صورة كبيرة وواضحة ملونة تقع على يمين أعلى الصفحة . بالاضافة للعنوان الكبير الذي يدل على ما يجيء في الصفحة الداخلية بكاملها مع مزيد من الصور، وثانيا لأن موضوع الفقر جاذب للناس الفقراء الكثيرين، أو الذين لا يعرفون الحقائق وواقع الحال عند الفقراء في بلد نسبة الفقر فيه ليست بالقليلة، وإن كانت الاحصائيات العمياء لا تدل عليها .
المعلومات في التحقيق الصحفي صورة صحيحة عن معنى الفقر الذي قيل فيه “ لو كان الفقر رجلا لقتلته “ . واقع يشكو سكانه من حياة معدومة الكرامة الانسانية، حيث لا مسكن، ولا ملبس ولا طعام تحميهم من ذل وهوان الايام وبالتالي تؤدي الى إنسان لا ثيمة له لأنه أيضا لا يتعلم لعدم وجود مدارس تفي بالغرض . ولعل وصف الصحفي بالتفاصيل عن واقع الحياة من سكان هذا المكان المهمش عمرانيا وإنسانيا وتعليميا واحتماعيا، يدفعني أن أتساءل : اين هم أو أين هو البرلماني الذي يمثل اللواء أو هؤلاء الناس ؟ وأين هي المشاريع الاستراتيجية التي تشمل هذه المنطقة “الجنوبية “؟ ومن هو المرجع لهم لانقاذهم من براثن الفقر الذي وصفه التحقيق ؟ وهل تسمعه الجهات الحكومية المعنية بالتنمية أو النماء والاصلاح . تلك الكلمات والشعارات الكثيرة التي سمعناها لعقود متواصلة ونحن نهلل للتنمية ! .
يأتي هذا التحقيق أو الريبورتاج الجاد في الوقت المناسب، ونحن في موسم المازاودت على الشعارات الانتخابية القادمة . وفيها كما تعودنا من المرشحين للانتخابات البرلمانية الوعود الكبيرة التي تجلب للمواطن المسكن والملبس والغذاء والتعليم والعمل، وغيرها من الاحتياجات التي تمس شغاف المعدة و القلب والعقل، والمواطن يحلم أنه سيحتفي بانسانيته يوما ما وعلى يد المرشح الطامع بالكرسي .
هذا التحقيق عن قرية “ شوبكية منسية .. “ كما يصفها الكاتب، تدل على المخفي الاعظم من المشاكل السياسية والاحتماعية والاقتصادية، لأنها كما تبدو نموذجا للفقر المدقع “المعشش” في الاماكن النائية البعيدة عن المركز . بالاضافة لأسباب زحف الريف والبادية وترك بيوت الخرابيش والمغر غير نادمين وهم يبحثون عن إكسير الحياة وطعم السعادة المفقودة في أطراف المدن الهامشية التي تزيد، بل تخلق المشاكل الاجتماعية من عنف وجرائم يشكو منها الناس في مواسم، بل في أوقات كثيرة .
مثل هذا التحقيق من ناحية إعلامية وما جاء فيه من رسائل” لمن يهمه الأمر “ يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، لأهميتها للرأي العام اعلاميا واجتماعيا. فالرسائل في المضمون التي اتت في هذا الوقت بالذات كما أفهم، موجهة لنواب الجنوب المرشحين للانتخابات البرلمانية -وهي قاب قوسين أو ادنى -. بالاضافة للمخططين التنمويين، والاستراتيجيين، في مجالات التنمية المستدامة التي تغزلنا بها منذ السبعينيات عندما بدأت كموضة باستعمال مفرداتها المستعملة في مشاريع الأمم المتحدة للتنمية وعلى المستوى المحلي والاقليمي والعالمي .
التحقيق المنشور عن قصد أو غير قصد في هذا الوقت قبل الانتخابات القادمة، يدق الجرس لمرشحي الانتخابات البرلمانية القادمة، فهل هناك من مرشح للبرلمان والباحث عن الأصوات في الجنوب أو الشمال يسمع ؟ كما أرجو إذا وصلته الرسالة أن يكون عندما يرفع شعارات حملته الانتخابية صادقا وحكيما وليس فقط لكسب الاصوات . وأرجو من الناخب أن يناقش المرشح بصوت عال قبل وبعد الانتخابات، علّه يتمكن على الاقل أن يجد له سكنا وملبسا وطعاما في منطقته خوفا من رحيل قسري ّ يزيده فقرا وقهرا . ولعلي وقد وقفت طويلا مع التحقيق،أرجو من كاتب التقرير أن يواصل مهمته ليوصل الصوت بصوت أعلى .