لأن إسرائيل تعرف تماما ماذا تعني القدس للعرب المسلمين والمسيحيين ، تواصل وحشيتها ضد هذه المدينة المميزة في العالم . وتعرف أن هذا التميز لا يأتي فقط لكونها تحمل التاريخ والجغرافيا والأماكن الدينية في بطون التاريخ فحسب ، بل لمن صنع المدينة من اهلها ولتعلقهم بها . ما تقوم به إسرائيل هذه الأيام من موجة اعمال وحشية ضد” شوارع القدس العتيقة “، ومحالها التجارية لدليل واضح على نواياها الاستعمارية . باغلاقها حارة باب حطة القريبة من المسجد الاقصى، واغلاق جمعية خيرية وطرد موظفيها فهي تستمر بالانتقام ممن يسكن في هذه الحارة التاريخية العربية العريقة.

حارة باب حطة تتكون من أحواش تضم بيوتا تسكنها عائلات ممتدة تتكون من غرف وإيوان تتوزع على طابقين يعيشون متمسكين بالعادات والتقاليد الفلسطينية العريقة ، التي تنبعث منها رائحة اكلات النساء المتشابهة من المحشي والمقلوبة وورق الدوالي والملوخية . كان أكثر سكان هذه الحارة من” الخلايلة “ أي أهل الخليل ، حيث سكنوها بعد أن عملوا في التجارة وافتتحوا أكثر من محل لتجارة الاقمشة والمنيفاتورة ، التي كانوا يستوردونها من الشام قبل الاحتلال . وكما هو معروف عن أهل الخليل ، أنهم زرعوا الصخر لينبت كروم الدوالي والعنب الخليلي من الأسود والأحمر والاخضر ، ليصنعوا منه الشراب و “ العنطسبيخ “ أي العنب المطبوخ الذي صنعوا منه الملبن المشهورين به المطعم بحب قريش .

برزت عدد من العائلات الخليلية في حارات القدس العتيقة والجديدة بعدما استقرت بعملها في القدس في التجارة ، منها عائلة بركات التي فرضت وجودها في السوق ، ويبدو أن هذا ما أهّل الشيخ عبد الباري بركات أن يكون بين أعضاء الهيئة الادارية في الغرفة التجارية العربية في القدس في سنة تأسيسها 1936 ، كما برز الحاج طاهر بركات في العائلة ، عمل معهم ابناؤهم وأحفادهم ، وتجذر اهل الخليل في حارة باب حطة كما حارات أخرى . ولعلهم بصمودهم في القدس كما الخليل ، يظلون شوكة في حلق الاحتلال . الخلايلة في القدس او الخليل لعبوا وما يزالون دورا ضد الاحتلال . إسرائيل تراقبهم كما كل فلسطيني حر وتخاف منهم . تقوم هذه الايام بسلسلة من قمع الفلطسنيين و منها تشجيع جماعات يهودية مهووسة عدوانية تتعلق بالهيكل وخرابه في مستوطنة” كريات أربع “ بمدينة الخليل . وتستمر بتعبئة اليهيود المتطرفين بالكراهية للعرب والمسلمين.

اسرائيل قرأت تاريخ حارات القدس ، وتعرف معنى تمسك الفلسطيني بالبيت والجيرة ، والالتزام بالصلاة في المسجد الاقصى القريب من كل الحارات ، فكيف بهذه الحارة الخليلية التي ما زال فيها جمعيات خيرية وانسانية تعزز الصمود وتدافع عن الاقصى وترابط نساؤها للدفاع عن القدس التي تعمل إسرائيل على تهويد ما تبقى منها . مستمرة إسرائيل بالاعتداء على كل من يتصدى الاحتلال ، كما يفعلون اليوم بموظفي الاوقاف الاسلامية والاعتداء عليهم وهم يقومون باجراء الترميمات. إسرائيل اليوم تحتل كل حارات القدس العتيقة التي تحمل الهوية وذاكرة المكان . ولعل صوت بائع الكعك بسمسم في باب العمود الذي يؤدي للحارات العتيقة تذكرهم بالجذور المرتبطة بالأرض.

ليس فقط حارة باب حطة ما يريدون تفريغها من أهلها ، ففي القدس حارات تحمل أسماء مواقعها أو بأسماء العائلات أو الطوائف التي كانت تقطنها ، تتفرع منها أزقة وعقبات ، بلغ عددها أكثر من 31 . منها حرة النصارى ، وحارة المغاربة التي هدمتها إسرائيل ، و حارة باب العامود ، وحارة السعدية وحارة الشرف وغيرها.

في كتابي” القدس والبنت الشلبية “ الصادر 2011 أخذت نفسي وبنات فلسطين “الشلبيات “ الي القدس لأسترجاع الحياة الاجتماعية لهذه المدينة التي لها مكانة خاصة على مر العصور ، وهي عزيزة على كل من عرفها أو زارها أو قرأ عنها وزار حاراتها التي تفوح منها رائحة الحياة وكأ ن أصوات طلاب وطالبات المدارس نسمع من شبابيكها المطلة على أسوار القدس وحاراتها العتيقة وصداها يقول : “ موطني موطني “ .. وهذا ما يغيظ العدو . 

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment