كثرة وغزارة التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، أصبحت تربك من يحاول مناقشتها لمعرفة الحلول. والحقيقة، أن بعض المشكلات ما زالت تراوح مكانها منذ عقود، هي مشكلة الثقافة الفكرية والاجتماعية والافتصادية وكيفية تطويرها لتصبح فاعلة في بناء جيل” متعلم ومثقف “. وهنا لابد من الوقوف أمام تعريف من هو المثقف؟ فقد اجتهدت المدارس المختلفة في التعريف، وقد أسفرت بعض المفاهيم النخبوية والفكرية الى نقاشات ما يزال البعض يعمل وفقها. وبتعريف مبسط للمثقف اليوم، لا يحتاج أن يبحث في النظريات التي تبدو غريبة للإنسان العادي المثقف، ولكي لا تظل المفاهيم للنخبة فقط. فالمثقف، كما أراه اليوم، هو الإنسان الذي يجمع بين العلم والمعرفة والخبرة والعمل الذي يوفر له الاستقلالية والحرية الشخصية. وبهذا المفهوم الذي يبدو واقعيا، يتحمّل المثقف مسؤوليات إضافية من المعلومات التي يتسلح بها في زمن ثورة وسائل الاعلام والاتصال من إيجابية وسلبية تحيط بالإنسان من كل جانب.

  مجتمعنا لا ينقصه المثقفون، والمتخصصون في المجالات المهنية والاكاديمية، إلا أن هناك خللا في كيفية خلق ثقافات ما زلنا بحاجة لها لكي تصبح نمطا وممارسات حياتية. فما زال لدينا” ثقافة العيب “التي تحرج طالب الجامعة، أن يعمل في أعمال مهنية، أو أي عمل يساعده على ايجاد دخل اضافيّ لتعليم نفسه كما في الدول التي تجد في مثل هذا العمل معنى إيجابيا وبخاصة لدينا نسبة بطالة عالية. لفت نظري شاب يعمل في” سوبر ماركت” قريب من بيتي، وكان يحل بعض الرموز التي لا أفهمها، في دفتر أمامه. سعدت وهو يفسر لي محاضرة اليوم في علم الحاسوب والإنترنت. ويقول “أنا أعمل في خدمة الزبائن ثم تنظيف المحل قبل إغلاقه الساعة 12ليلا “. هذا الشاب المثقف، كما أراه، يمارس تغييراً في مفهوم الثقافة، ويساهم في صناعة ثقافة مجتمعية بوصفها تجربة محلية، مرتبطة مع السلوكيات.

 وفي هذا السياق، أصبح العمل” المتواضع “ السابق لبعض الناجحين من رجال المال والأعمال اليوم، مادة غنية لكتابة مذكراتهم، وإبراز عصاميتهم، التي تعني أنه “عمل نفسه بنفسه “. ويحاول البعض تذكر مثل هذه القصص الإنسانية التي ينظر اليها الإنسان المثقف، نظرة احترام وتقدير. وقد غالى البعض فيها لإثبات عصاميته.

 لدينا ثقافة الخوف، وثقافة الاستهلاك ولدينا ثقافة التقليد وغيرها كثيرة. ولدينا ايضا ثقافات شبابية إيجابية متحررة من الثقافات السلبية. فهناك اليوم شباب، بمبادرات إيجابية مثل التطوع ومساعدة كبار السن، والاعتماد على النفس، والمساهمة في تجميل المدينة، وغيرها من الثقافات التي لا بد أن تتطور لثقافة انسانية تتضمن جميع أوجه الحياة. فتحية لهذا الطالب النجيب.

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment