حسمت أمري لزيارة قاع المدينة لشرب فنجان قهوة في مقهى أو على الرصيف الذي أصبح ممكنا في ليالي عمان الرمضانية .لبست” الجينز “ اللباس المحبب لديّ للشعور بحرية الحركة والمساواة مع شباب وشابات عمان، “علّ الشباب يعود يوما ً “ وأنا أعود بذاكرة المدرسة والطريق . استعنت بالمهندس معد مسلم بسيسو ابن شقيقتي المرحومة عريفة، الذي رافقني في رحلة ثلاث ساعات في قاع المدينة  يرتدي سروال الجينزالأزرق الأنيق المفضل لديه دون تكلف .

كان السوق الشعبي دوما صديقي، لسبب أو آخر، ولعل السبب أنني أتحيز دوما للشارع ولتلك الطبقة العاملة النشطة التي تصنع المكان . بالإضافة، فلعل ذاكرة خطواتي في سن الشباب المبكر التي كانت تأخذني اليه، مارة بنفس الوجوه والمعالم بمريول المدرسة الأسود والقبة البيضاء سبباُ آخر . كنت وصديقاتي، نذهب بعد المدرسة لسوق البخارية نبحث عن “البكل والكورديلا “للشعر، إذ كان الاهتمام بنظافة الشعر وترتيبه أهمية خاصة . وفي الطريق كنا نمر عن كشك كتب متواضع يفرش بضاعته على الأرض وما يزال مقابل البنك العربي لفتى اسمه سليمان الحوراني الذي كنت أشتري منه مجلات روز اليوسف وصباح الخير وكتب إحسان عبد القدوس، منها،” في بيتنا رجل “. مررنا عن أكثر من كشك لبيع الكتب من كل العناوين، فالسوق عامر بها أيضاً، وكان اعجابي كبيراً بكشك خزانة الجاحظ لصاحبها محمد العدوان، الذي كنت من زبائنة أيام زمان . سعدت وبعض الصبايا يبحثن عن كتب عالمية بالاضافة لكتبنا نحن المحليين، وقد طلبت إحداهن،( كتاب بنات عمان أيام زمان) المعروض عنده . كما مررنا عن كشك أبو على المعروف في مكانه الدائم فرب البنك العربي .

وسط البلد أو قاع المدينة اليوم أصبح غيره أيام زمان، أعني الناس، الاشكال، البضاعة التجارة وطعم الاطعمة، والألبسة والذوق والنظافة وحتى الاحلام،و شنط السفر. توقفنا عند أحد محلات بيع الجينز، وهرع البائع يسأل “هل تريدين عادي أم ممزق ؟”، فقلت ممزق، علني أفهم أكثر عن هذه الظاهرة التي أصبحت متنشرة في القاع كما في الجبل . لم أتمالك نفسي من الاستهجان والضحك، لأن السروال ممزق بشكل عدواني وغير فني كما أراده مصممو الأزياء في الغرب الذين نتراكض وراءهم للسير في ركاب الموضة، حسبته من بقايا بنطال رماه صاحبه في حاوية الزبالة، لولا الورقة النظيفة المثبتة به تشير لذلك ومصدر صنعه، وأيضاً بدون رائحة الحاويات. لم يكن العرض جديداً لأنني واجهت نفس التجربة في أحد المولات الراقية على الجبل، وكان البنطال الممزق يحمل ماركة معروفة، مصنوعة في باريس، فقلت في نفسي، فليهنأ الفقراء، فقد أصبح لهم منافسون في لباسهم الممزق من الاغنياء .

أما الثوب الفلسطيني الشعبي الأسود المطرز بالأحمر، وهو من أجمل الأثواب الشعبية في العالم، فقد قبض علية السوق ليساهم في تشويهه مع الأسف. بين كل محل ومحل في السوق ثالث يبيع الأثواب المطرزة على الماكنة في عمان أو الصين، مع تزوير في شخصيتها بإضافة “الترتر “ أو الأحجار اللامعة الغريبة لتجثم على جماله وأصالته العريقة التي كانت النساء القرويات يطرزنه في القرى قبل المخيمات ليحافظ على أصالته .

وسط البلد أصبح بكامله شعبياً، وبخاصة بعد توسيع الأرصفة التي كانت ممنوعة على الباعة المهمشين . بضاعة الشارع من كل الاشكال، الكل يبيع مثل جاره والتنافس مسوع بالصوت العالي .

لم أشتر الجينز، لأنني ألبس واحداً ليس ممزفاً، ويمكنني تشويهه بيديّ ليصبح على الموضة لكي ألبسه على العيد . لكن( معد) أصّر لشراء هدية لي، قبل أن نختم الزيارة المعتقة المحملة بالحاضر والماضي، زجاجة “عطر شعبية “خلطها البائع المتخصص بالروائح غير تلك التي يبيعها” العطار” لتقوية الشعر مثل زيت الخروع . ولم نهمل الجلوس عى مقهى يعتبر جديداً (جفرا ) لنشرب الشاي مخلوطاً بروائح التنباك المختلفة التي تعمّر الأراجيل مثل، بوظة، وعلكة وقرفة، وتفاحتين أشقر، وخوخ وتفاح، وغيرها ألتي يلتهمها المدخنون بشراهة، رغم تحذيرات ومقالات د. عاصم منصوررئيس مركز الحسين للسرطان، لأضرارها الصحية،كمسبب للسرطان،والتوسل لإيقاف هذه الظاهرة التي أصبحت متأصلة في مجتمع عمان اليوم .

 تمنيات للجميع بالصحة والعافية وكل رمضان وأنتم بخير مع الأمل بحياة أفضل .

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment