قرأت خبراً عن مشروع « الكمنجاتي «لتعليم الموسيقى في المخيمات الفلسطينية لبعض الأصدقاء في جلسة دافئة، قال أحدهم : قلبهم فاضي، مش وقته .. « وأخذ النقاش منحى الجد والمزح .دافعت بشدة عن الفرح والأمل لوسيلة حياتية، تحاول إزالة الهم والغم لأهل المخيمات الفلسطينية التي يعيشونها دون نسيان ذاك الفردوس المفقود الذي يسرقه المحتل . يقول الخبر : « الكمنجاتي مشروع لتعليم الموسيقى في المخيمات الفلسطينية « . كنت قبل سنين علّقت على مشروع إبداعيّ آخر،هو تعليم الأطفال الفلسطينيين في بعض المخيمات في لبنان والضفة الغربية، «استعمال الكاميرا «، من أجل تصوير وتوثيق واقعهم الفقير وحياتهم اليومية، وكان الهدف تعليمهم» مهنة» قد تفيدهم في حياتهم العملية .
قلت، إن للمخيمات الفلسطينية خصوصية، حيث يعيش، «بشكل مؤقت في مكان مؤقت «، وحياة معيشية و نفسية مؤقتة حتى يعود لفلسطين . تأقلم اللاجئ مع التذمر المستمر» غصبا عنه « لأنه لاجئ . نجح هذا اللاجئ الفلسطيني في حياة عمرها سبعون عاماً فيها علم وفرته له مدارس( وكالة الغوث ) ومدارس الدول المضيفة، و نجح في نيل العلم، وتفوق مع أقرانه غير اللاجئين بالتخصصات التي تساهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية ليسجل ريادات في حقول العلم والثقافة والاقتصاد والمال والبنوك . عاش الفلسطيني قضيته السياسية التي كثيراً ما تكون «قميص عثمان « للعرب كما الغرب الذي خلقها وما يزال يتلاعب بها، فيوم يضعها على الأ جندة، وأيام يهمشها كما هو الحال في أكثر الأحيان .
لم يتسن للطالب الفلسطيني أن يتعلم الموسيقى ضمن منهاج مدرسي صارم كبقية العلوم مع غيره من اللاجئين من الطلاب في البلدان العربية . فالموسيقى لكثير من هذه البلدان ليس لها أهمية كما في برامج ومناهج الدول الغربية التي تعلم مساق الموسيقى في مناهجها منذ الطفولة المبكرة. وقد انعكس ذلك على ثقافة المجتمع وبرز بين طلاب الغرب موسيقيون وممثلون ورسامون ورياضيون وابداعات أخرى حرة تصقل وتغني شخصية الإنسان وقد أصبحت مع» مكملاتها» من أكثر المهن دراً للمال .
يأتي مشروع» الكمنجاتي « الذي نحن بصدده كنوع من المشاريع الابداعية التي أراها ضرورية وإن جاءت متأخرة « وبالصدفة « من رمزي أبو رضوان( 37 عاما )، الذي كان محبا للموسيقى منذ طفولته وهو يبيع الصحف وينظف الحدائق في رام الله . تمكن بدراسة الموسيقى في فرنسا بفضل سيدة اكتشفت موهبته وقد نجح بالتخصص في العزف على الكمنجة، التي تحمل اسم مشروعه الناجح» الكمنجاتي « . مشروعه منذ 2005 استقطب طلاب مخيمات لبنان والضفة الغربية وأصبح صوت الكمنجة يصدح في مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأنروا ) لتسعد الغارق في النغم أو المار في أزقة المخيمات . ولعل أنغام العتابا والميجانا التقليدية التي كان الأجداد يعزفونها على( الربابة)، واليوم على الكمنجة، ما يزيد حماسة الجيل الجديد في صنع اليوم والغد بالنغم والرقص وهم يتطايرون ويدقون بأرجلهم الأرض ، يتحدون إسرائيل، بمواصلة القول « هذه أراضينا … « .
إن صوت النغم الفلسطيني ما يثير اعصاب عسكر الحاجز والجدران التي يبنونها لمنع الصوت الجميل وصوت الكمنجة التي قد تصبح رمزاً جديداً يضاف للرموز الوطنية التي تغيظ إسرائيل، مثل المفتاح والمقلاع، والكوفية، والثوب الفلسطيني المطرز . التي تعزز الهوية والتراث . ولعل منع إسرائيل مؤخراً أعضاء من فرقة الكمنجاتي لإدخال الآلات الموسيقية لإحياء عرض إنشاد صوفي في المسجد الابراهيمي لخير دليل على إحباط المشاريع الهادفة لإبقاء ذاكرة الثقافة الفلسطينية المتجذرة فيما تبقى من القرى والمدن الفلسطينية التي تحن لتراث عريق يحمله مشروع الكمنجاتي الذي أقول : نعم إنه وقته، ليبقي حياة الأمل والفرح . !