للأرقام والتواريخ أهمية خاصة لديّ كما للدارس والباحث للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهي تشكل مؤشراًهاماً لإضفاء المصداقية على مناقشة” الموضوع “ أي موضوع من أجل عدم إنكار الحقائق. ولعل تقرير دائرة الاحصاءات العامة الأخير الذي يبين أن معدل البطالة قد وصل الى 18,2% في الربع الأول من هذا العام 2017 وبزيادة ملحوظة،عن السنين السابقة مثلاً. كانت الأرقام المتعلقة بالبطالة تؤرق أصحاب التخصص من الاقتصاديين والاجتماعيين عندما وصلت نصف هذه النسبة في بعض السنين السابقة من جهة، ومن جهة أخرى فهذه الأرقام التي قد لا يفهمها العاطل عن العمل أو الفقير الذي يفقد كرامته بسبب ضيق الحال، سواء أكان الفقر واضحاً أم مستوراً للكثيرين .
نرى الفقر اليوم يزداد ويتراكض في الشارع ممثلاً بالاطفال والنساء، وأيضاً من الباعة المهمشين الذين يحاولون إثبات أنفسهم كرجال أعمال،أو من بعض كبار السن، وهم يحملون العلكة وعلب المحارم الورقية، لتغطية وضعهم الانساني المزري الذي دفعهم للقيام بهذا النشاط رغم كبر سنه الذي يسميه عملاً أمام أعين المجتمع والدولة .
بالعودة للبطالة بشكل عام، فمنذ عقود والمخططون يعملون على ايجاد حلول لمشكلة البطالة مع تجاوب من المظمات الدولية ومشاريعها الانمائية ومنها لشريحة الشباب الذين يشكلون أكثر من نصف المجتمع الذي من المفروض أن يحمل راية المستقبل ويوصله الى حياة أفضل وإنسانية أكثر.
العدد الضخم من الشباب المصدوم والباحث عن العمل من خريجي المدارس والجامعات والمعاهد المهنية ما زال عاطلاً عن العمل كما تشير الأرقام والواقع المعاش . ولا شك أن هذا نتيجة لتخطيط للمشاريع الصغيرة التي سمعنا عنها كثيراً، بالاضافة للمشاريع الكبيرة التي ما زالت غير قادرة على وضع استراتيجية وطنية، تعمل على” التنمية المستدامة “، هذا المصطلح لذي شبعنا سماعه منذ السبعينيات .
مبادرات كثيرة للعمل من الشباب بعضها ناجحة دفعت الكثيرين لحماية أنفسهم من الشعور بالاحباط والهزيمة النفسية بسبب حالات الاكتئاب التي عادة ما تؤدي لتصرفات سلبية محزنة التي تصيب الكثيرين من الحالمين بحياة أفضل لأنفسهم وللمجتمع. حسناً يفعل من يشجع ذلك، ألا أن الأهم دعم المشاريع الناجحة لمزيد من النجاح . تبدأ المشاريع الصغيرة عادة بحماسة، إلا أن كثيراً منها تبوء بالفشل لعدم استدامتها .
نحن نعيش فعلا مشكلة مزمنة تزداد كل يوم، كما نرى من الأرقام التي تدل على ذلك. فما زال مصطلح جيوب الفقر متواجدا في المدن والريف، ونسبة العاطلين عن العمل تزيد من حدة الفقر والبطالة المتفشية في المجتمع بسبب تزايد عدد المحتاجين” للوظائف”، نعم الوظائف التي تؤمن الاستدامة بالعمل مهما كان نوعها، ولعل توزيع فرص العمل للمحتاجين والفقراء بعدالة دون المحسوبيات والوساطة تساهم في الحلول .
إن المشكلة الاساسية كما يبدو، تتفاقم بسبب عدم وضع استراتيجية وخطط طويلة الأمد تأخذ بعين الاعتبار تنظيم سوق العمل و مخرجات التعليم أو التدريب بشكل يسمح لاستيعاب هذا الرهط من العاطلين عن العمل بين جميع التخصصات من التقليدية والحديثة التي تسارع الناس عليها ظناً أنها قد تحجز مكاناً للباحث عن العمل، نحن لا نزال في ورطة اقتصادية واجتماعية متجددة، ننتظر تحليل الاحصائيات المتعلقة والمزمنة والمرتفعة أيضا ً مع الأسف دون وضع حلول تخفف من وطأة هذا البعبع المخيف الذي يفتك فينا وينخر في نسيجنا الاجتماعي ..الذي يزداد تفسخاً بسبب هذه الامراض الخطيرة … !