لم ينس المهتمون بالقضية الفلسطينية وعد بلفور وقد مر على صدوره مائة عام ، ولعل هذا الصك التاريخي الأسود ما يجعلنا اليوم لا ننسى جذوره وأثره على قضية فلسطين وممارسات الاحتلال الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. الوعد المشؤوم يشير أن بلفور أوفى بوعده الاستعماري، وقد ظهرت نتائجه بقيام “دولة إسرائيل “.جاء هذا الوعد بعد الحرب العالمية الاولى والتغيرات التي نجمت عنها نهاية أربع امبراطوريات في أوروبا واسيا،هي الإمبرطوريات الروسية القيصرية، والنمساوية – هنجارية، والألمانية، والعثمانية. وبهذا التغيير زاد عدد الدول القومية في أوروبا الشرقية والوسطى، والمزيد من التوسع لليابان وإيطاليا.
ما يهمنا هنا هو استرجاع الحقائق عن كيف ورثت بريطانيا وفرنسا الحليفتان في الحرب الأولى إرث الإمبرطورية العثمانية وابتلاع الشرق وتقاسم الدول أو خلق بعضها. ومع الأسف كانت فلسطين دون غيرها من دول العالم، ضحية لهذا التقسيم الاستعماري الجديد من نصيب بريطانيا، بعد تقسيم الغنائم.أسرعت بريطانيا باصدار وعد بلفور بعد ما استغل اليهود الظروف السياسية للمطالبة “ بوطن قومي “ وتمكنت الحركة الصهيونية واغنياء اليهود بتاثير روتشيلد أحد كبار اثرياء اليهود، الى اصدار وعد بلفوربعد اقناع وزير خارجية بريطانيا اللورد بلفور، سئ الذكر في خطوات تحضيرية سرية الى أن صدر” الوعد “، بتاريخ،2 نوفمبر، 1917. جاء فيه : إن “ حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين….. “. ما جاء في نص الصك ما يشير الى عدم قانونيته وشرعيتة وقد اثبت الكثيرون بطلانه. دحضه جون بازديفان، رئيس محكمة العدل الدولية السابق، بقوله :” إنه لا يحق لأي دولة، بناء دولة على مشيئتها،، وأن تمد سطوتها على حساب دولة أخرى، إن القانون الدولي لا يعترف بأهلية الدولة البريطانية على أراض غير أراضيها الخاصة، وعلى شعب غير رعاياه ومواطنيها. “ ومن بين الأقوال الكثيرة: وعد بلفور باطل؛ لان بريطانيا أعطت اليهود بلداً يخص شعباً ثالثاً أي الفلسطينون. تحيّز بريطانيا لليهود باصدار وعد بلفور وانشاء اسرائيل هو عمل سياسي بامتياز لتحل مكان الدولة المستعمرة الاولى ولتكون الأداة التي تستعملها لحفظ مكانة بريطانيا ومصالحها في المنطقة.
رفض الفلسطينيون الانتداب البريطاني على فلسطين- 1948 -1922، ومنذ عرف الفلسطينيون عن الوعد الذي ظل سراً حتى حمله اليهم الجنود البريطانيون عندما دخلوا القدس بالاضافة للأخبار التي نشرت في صحيفة المقطم المصرية. زاد رفض الفلسطينيين والتعبير عن وعد بلفور في ثوراتهم المتتالية، 1921، 1929، 1935، 1936 – 1939. كان الرفض وسقوط الشهداء ضد تحيّز الانتداب للحركة الصهيونية التي كانت تعمل بالسر والعلن من أجل إقامة “الوطن القومي “. تحيزت للصهيونية منذ البداية، بوضع القوانين التي تساعد اليهود على الاستيلاء على الاراضي العربية، بالاضافة لجلب المهاجرين اليهود لفلسطين. وقد نجحوا في ذلك رغم رفض الفلسطينيين لهذا الاستعمار الانجلو صهيوني ، الذي أدى الى قيام اسرائيل التي تحتل فلسطين بكاملها وبشهية مفتوحة وعنجهية استعمارية للبقاء في فلسطين وبقاء الشعب الفلسطيني مهجراً ومقهوراً تحت الاحتلال الشرس.
سياسة اسرائيل العنصرية اليوم بمحاولة طرد ما تبقى من الفلسطينيين من أرضهم ومحاولة تهويد فلسطين، وجلب يهود العالم اليها، وبأحلامها وخرافاتها التلمودية، مستمرة في استعمارها ببناء المستوطنات وخلع أشجار الزيتون، علّها تمحي الجذور والهوية. نتائج هذا الوعد المشؤوم اليوم تأتي أكلها أمام انظار العالم، وإسرائيل تتحدى الامم المتحدة وقراراتها ضد الاحتلال، وضد قتل النساء والأطفال. الكثيرون من البريطانيين من أحفاد الامبراطورية التي” لم تكن الشمس تغيب عنها “، يعرفون جريمة بريطانيا باصدار وعد بلفور قبل مائة سنة، هم مثلنا ينددون بما تقوم به اسرائيل من ممارسات غير شرعية وغير إنسانية. نعم هناك اليوم تعاطف أكثر مع الفلسطينيين وقضيتهم التي ما تزال دون حلّ لإقامة دولتهم على أرضهم الفلسطينية.
بريطانيا اليوم التي تدعي وقوفها لجانب الدول المقهورة، والتي تعرف أسرار صك وعد بلفور وتعرف الاثم الكبير التي سببته للفلسطينيين، عليها أن تعتذر للفلسطينيين. تعتذر عن الآلام، وتعتذر عن الخيانة للعرب، وتعتذر عن استغلال الصهيونية لها، وتعتذر بصوت عالٍ عن إصدار هذا الوعد الذي يعد أغرب صك في التاريخ.. ولعل بريطانيا التي لم تعد العظمى اليوم، تكون أكثر حكمة وإنسانية بأهمية الاعتذار الذي يطلبه الشعب الفلسطيني والوقوف بجانب الحق، علّه يعود لأرضه التي لن يرضى عنها بديلاً مهما طال الزمن ؟؟