بعد غيبة قصيرة، أعود الى زاويتي في هذا البرد القارص، البرودة ليس فقط بسبب أحوال الطقس المتقلبة في فصل الشتاء؛ ما يسبب المرض، بل أيضاً لما يعصف بالمنطقة من رياح عاتية، وانزلاقات متواصلة سياسية لا تبشر بالخير ونحن نبحث عن سنة أكثر رأفة في المنطقة والعالم غير المتصالح مع نفسه.

 من أبرز هذه الانحدارات المعقدة، ما يحيق بالقضية الفلسطينية، التي تتهمش من مدة لأخرى، وتتجدد فيها عوامل تشعرنا أنها أصبحت ليست القضية الأولى كما كان العرب يدعون في السابق، أولسياسة الولايات المتحدة المتحيزة لإسرائيل ونتنياهو الذي يحركها بدوره بشكل ظاهر او خفيّ. وبالرغم من أن التلاعب بالقضية الفلسطينية وخلق المطبات الاجتماعية والسياسية للفلسطينيين ليس جديداً على المستوى الاقليمي والدولي، فالجديد القديم الجديد، هو محاولة إضعاف ما يتعلق بالأمن الانساني والغذائي والتعليمي والحياة المعيشية اليومية لما يزيد على 4،7% مليون لاجيء فلسطيني مسجلين في دفاتر (وكالة غوث وتعليم اللاجئين )، أي الفلسطينيون الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين، في الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، منذ إنشائها عام 1949، و مهامها خدمة الفلسطينيين الذين نزحوا عن مدنهم وقراهم وفقدوا الأمن والاستقرار المعيشي والحياتي. فالأنروا المؤسسة التابعة للأمم المتحدة تقوم بتنفيذ برامج إغاثة وتشغيل اللاجئين مباشرة، وبالتعاون مع الحكومات المضيفة.

  يخرج علينا ترمب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المثير للجدل في إحدى محاولاته وصفقاته التجارية، للتلاعب بقوت اللاجئيين الفلسطينيين وصحتهم وتعليمهم، وذلك بأسلوبه الابتزازي، ويقرر قطع الدعم الامريكي للأنروا البالغ 380 مليون دولار سنوياً. وتأتي الخطوة الامريكية بتشجيع من نتنياهو الحريص على تعقيد وضع الفلسطينيين المعيشي ومحاصرتهم في قطاع غزة، وتجويعهم، ومحاولة منع التعليم عنهم، علهم يرضخون. ليست هذه اول مرة تقوم أمريكا وإسرائيل بمحاربة الفلسطينينين بالسلاح وجميع أنواع الوحشية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة؛ لإضعاف عزيمتهم، وإصراراهم على الوصول لهدفهم من أجل إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس، كما كان هدفهم دوماً.

 إن إعلان ترمب القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة اليها، ليدل على مدى عمق الحقد الإنساني والتاريخي والديني ضد الفلسطينيين وتزوير التاريخ والجغرافيا علناً. رئيس الولايات المتحدة العنصري يتحدى القرارات الدولية التي اتخذت في الأمم المتحدة ومؤسساتها، أن القدس عربية، وهي محتلة، ولا يحق لإسرائيل ولا ترمب التصرف بها كصفقة تجارية، يسميها ترمب” صفقة القرن”.

 إن استفزاز ترمب ونتنياهو باتخاذ الاجراءات ضد الانروا وقطع التمويل المالي، كوسيلة ابتزاز رخيص لن تنجح، كون الأنروا مؤسسة دولية تعمل في مجالات التنمية البشرية وفي المجالات الإنسانية والتعليمية والصحية، ولا يمكن إلغاؤها؛ لأن الجمعية العامة صوتت بالاغلبية الساحقة لصالح إنشاء الوكالة في حينها ولحين عودة اللاجئين لأرضهم. نتنياهو يدعو بكل وقاحة، وبصوت عالٍ مدعوم من ترمب، إغلاق الأنروا ليهمشوا أو يلغوا حق العودة، وهو أسلوب واضح أيضا للعقاب الجماعي الذي تريده امريكا ونتنياهو.

 ولا بد من من دعم المؤسسات المالية الدولية، ومنها البنك الدولي ومنظمة التعاون الاسلامي في عمل وتشجيع استمرار الحفاظ على الأنروا، التي كما يبدو أصبحت تخيف إسرائيل؛ لأنها تعمل على تقديم الخدمات اللازمة، لبقاء الإنسان الفلسطيني المقاوم للعدو، كما مقاومة الفقر والأمية بالعمل. هذا الابتزاز العلني لن ينسي الفلسطينيين حقهم بالعودة، وحقهم بالقدس عاصمة لدولة مستقلة. الانروا باقية، ولن يتمكن نتنياهو وترمب من إغلاقها؛ لأنها أنشئت بقرار أممي وليس بقرار أمريكيّ يعمل بشكل دائم على تعطيل عملية السلام وليس لحل القضية وفق القرارات الشرعية.

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment