لدي ّ مكتبة تحتضن عدداً من الكتب لا بأس بها، مكتبة سمينة اقوم بتخفيف سمنها من مدة لأخرى، لكي يظل المكان يرحب بالكتب الجديدة المتزايدة هذه الأيام من غث وسمين. الكتاب بالنسبة لي كان صديقاً حميماً مبكراً من حياتي التعليمية والثقافية، كنت أبحث عنه وأقتنيه في مراحل حياتي ومازلت، أقوم من مدة لأخرى بزيارة الجميل منها والحرص عليها، واتخلص من تلك غير الضرورية.

  كان الأسبوع الماضي موعدي الفصلي مع رفوف الكتب كالعادة، أقوم بنفسي بإزالة الغبار عنها بجدارة خوفاً عليها فعلا من” الغبار” الكلمة الرمزية، التي تهمش الأشياء، ونحن ننتقد ما لا يُقرأ أنه “ يوضع على الرف ليأكله الغبار” وخاصة تلك التقارير والتوصيات التي توضع على الرفوف بعد الندوات والمؤتمرات الكثيرة التي نعقدها ولا نستفيد منها، والحقيقة، أنني اضع الكتب على الرفوف بعد قراءة الكثير منها، وأيضاً التي لا أقرأها ولكن أحتاج لها كمراجع أقرأها في حينها، أو أستضيفها لفترة ثم أنزلها عن الرف..

 أمضيت عدة أيام مؤخراً في هذه العملية الصعبة ولكن المحببة التي تأخذني ألى عوالم أخرى وتعيدني الى حالة فكرية وثقافية خاصة والى ما يعني الكتاب لي ولاهميته عندي، لم أضع فهرساً كما هي العادة لمن لديهم “ كثير” من الكتب المصنفة “حسب التخصصات “ من الموضوعات… “تاريخ… أدب.. شعر.. روايات.. وقصص الخ “ أما مكتبتي التي اعتبرها ذاكرتي وصديقتي، فقد صنفتها حسب الأمكنة التي عشت فيها، أعود اليها عند الحنين إليها أو لاستعمالها كمرجع.. فعندي زاوية عن اليمن مثلاً وجدت فيها كتباً عن البلد بشكل عام، كتاب عن المتحف، وآخر عن معالمها السياحية وهذه عادة ما تكون أولى الكتب التي أحصل عليها من أجل التعرف على البلد، وأخرى عن الحياة الاجتماعية، وعن المرأة وكتب عن صناعة الفضة وايضاً عن الغوص على اللؤلؤ،وأكثر من كتاب عن القات، وكتب عن الادباء والكتاب من الشعراء المشهورين الذين تعرفت عليهم “ وفايلات “ من أوراق وتقارير كتبتها أثناء عملي في الأمم المتحدة لمدة اربع سنين، بالاضافة الى ألبوم صور تنشط الذاكرة بالالوان مع أطفال ونساء وزملاء عمل، وأخرى مع الباعة في الأسواق الشعبية أو سوق الخضار واللحم وسوق السمك، وسوق القات وغيرها.

  أعادتني الكتب لليمن الذي يمر اليوم بمرحلة تدمي القلب تمنع العودة لذلك المكان الغني بعواطف المحبة، تذكرت كيف كنت أقف في الشارع على الرصيف، أتصفح مع “ القراء “ الذين يفسحون لي المكان ويرحبون بي وهذه الظاهرة لفتتني رغم ارتفاع نسبة الامية بينهم.. تمنيت لو تعود تلك الأيام التي كنت أتسكع فيها في “سوق الملح” الشعبي تصطحبني صديقة يمنية محجبة، يرحب بي اصحاب المحلات الذين عرفتهم وعرفوني، أو ذاك الصبي ابن العشر سنين، وهو يملأ حنكه بالقات، وهو يبيعني عقداً فضياً.

 عملية التعزيل الفصلي هذه، تنهكني وتأخذ وقتاً طويلاً؛ لأنني اتوقف عند بعضها وأتصفحها، وأقرأ أحياناً الخرابيش التي دونتها عليها بقلم الرصاص. وقفت عند الكتب المتعلقة بالقاهرة وما أكثرها ومنها العتيق الممزق الذي اشتريته عند سور الازبكبة، بالإضافة الى الكتب عن الدول العربية، وتراثها وثقافتها، وكتب عن المرأة والحياة الاجتماعية، بالعربية والانجليزية، أما الكتب عن القضية الفلسطينينة فهي الاكثر عدداً تتوالد عندي بشكل مستمر، فرغم تهميش القضية الفلسطينينة، إلا أنها ما تزال موضع اهتمام الباحثين والكتاب والشعراء والروائيين أو كتب السرديات والمبدعين وما يتعلق بفلسطين تاريخياً وحديثاً.

 لم انته من التعزيل بعد…وأرى أن العمل في المطبخ أو تنظيف البيت بما فيه مسح الغبار كل يوم والذي يأخذ جهد المرأة ووقتها، أقل من الجهد الذي يبذل في تنظيف الكتب بشكل جاد وابقائها أنيقة، أحتراماً لمن كتبوها وتعبوا لتصلنا وتصبح “ خير صديق “ في البيت، نقضي معها أجمل الاوقات، حتى ونحن نزيل الغبار عنها.

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment