قد تتغير الامكنة بتغيير المعالم المعمارية للمكان،  من مبنى أو حديقة ، أو دار الجيران أو أول دكان في الحارة  وكما حصل لعمان عبد الرحمن منيف في الأربعينيات وعمان “ بنات عمان ايام زمان “، عماني” أنا  وجيلي “  في الخمسينيات والستينيات ، الذي كتبته  لأحفظ  ذاكرة المكان والطرق التي  تغيرت ولم  تتغير ..  عمان  التي  تغيرت بسرعة ولكنها ظلت محافظة في بعضها على بعضها …داهمتني الافكار والصور القديمة وأنا أمر من باب مدرستي القديمة في جبل عمان  التي كانت الاهم والأولى لانتاج  بنات الجيل الجديد المتعلم  . توقفت وراء  سور مدرستي ، “مدرسة الملكة زين الشرف الثانوية “ لاتذكر ما دونته في كتابي بنات عمان أيام زمان : ذاكرة المدرسة والطريق “  الصادر عام 2007 .  سجلت فيه “عنا “ الطالبات المتحفزات للحياة ،” بنات عمان أيام زمان…  وعن عمان الشوارع والناس . سمعت صوتي  مع بنات المدرسة ترتفع مع أصوات أولاد  المدارس كلها تنشد الاناشيد الحماسية الوطنية  في طابور الصباح ، والتي لا زالت عميقة في قلبي . وتراءت أمامي صور الكثيرين الذين أصبحوا شخصيات عامة  تعمل بحماسة أو صمت لمواصلة الطريق . خلت أيضا أنني أرى شخصيات قيادية كانت رموزا لنا نحن الطلبة ، في المجالات الاجتماعية والصحفية والثقافية ، التي أثرت في شخصياتنا التي كانت تبحث عن قدوة تأخذنا للطريق الصحيح . . وترحمت على الاكثرية التي رحلت ، لتظل ذكراهم مسجلة  باسم شارع سمي تيمنا  أو مدرسة أو معلم . أو نسل صالح ، أو غير ذلك.


الدور حول المدرسة ، التي كان يسكنها الجيران تغيرت لمعالم ومؤسسات حكومية وعامة ، احداها دائرة الجوازات التي  تحفظ اسماء من يحمل جواز سفر أردني  ، بعد المدرسة ،وليوثق أن”العيال كبرت “ ، و الطريق  سالكة لمرحلة الشباب الذي يأخذ الانسان للبعيد للعلم والمعرفة والعمل والعودة لاكمال الطريق في مؤسسة أو مشروع يساهم في بناء الوطن . كثيرون وكثيرات مروا من تلك المنطقة في جبل عمان الأول في قلب كل من عاش في  العاصمة الجميلة  ، لأنه كان الاقرب لكل الأمكنة رغم بعدها .


كنا وأولاد الكلية العلمية الاسلامية الجارة القريبة ، قد  عشنا مرحلة من مراحل  بناء عمان الجديدة  الجميلة ببيوتها الحجرية ، وشوارعها الاسفلتية الطازجة التي    كانت تسلمنا “ لمديرة خانم “والمعلمات ليقمن بعملية التعليم والتهذيب الضرورية . وفي الطريق التي كنا ندوسها بقوة الشباب وحيويته ونحن في كثير من الاحيان  نتسلق الجبل ، مشيا على الاقدام ، متحديات الباص رقم 3  الذي كان يحملنا من قاع المدينة ، مقابل البريد وأمام محلات حداد وشعشاعة . هذا الباص الذي كان ركوبه متعة لنا لما تجري فيه من قصص ، انسانية تشعر
الانسان بحقيقة عمره ، وهو يشارك اولاد المدرسة الجارة  ، أنهم مثلنا وليسوا مثلنا …لأنهم من الجنس الاخر.


 في قاع المدينة في عمان التي  كانت  تعرف بعضها البعض والمتصالحة مع نفسها  ، كان يقف  رجل مرورعلى منصة في وسط ساحة تتقاطع فيها الشوارع ، وبصفارته “ الطفولية “ البدائية كان رجل المرور  ينفخ بها وبذراعيه القويتين  يلوّح بحركات ليس فيها عصبية    وهو يقود عملية السير للأمان .  كانت عملية الصفارة والذراعين تخلق  تناغما كأنه يدير بعصاة سيمفونية موسيقية ، وإن كان النغم يشوهه في كثير من الحالات  المارة غير الابهين بهذا الرجل الهام ،  غير رجل واحد “ مهتم “ لم ينكد عليه ، كان الملك حسين ، عندما امتثل في احدى المرات لصفارة الرجل القويّ الذي كان يساهم في بناء عمان  المدينة والانسان وكافأه على عمله  الذي يحبه .


عمان اليوم الجميلة لا زالت بحاجة لمحبة أكثر ، ولن تنفع العيون الاكترونية  ولا الفواتير العالية جزاء المخالفات الصحيحة أو الكاذبة  ، ولا المشاريع الكثيرة والمحاولات لحل المشاكل التي أصبحت معضلة بمعنى الكلمة للماشي في الطريق أو من  يسوق سيارته التي تزاحم الاف السيارات . ولعل الحل الصحيح وكما هي “المخططات والنية “لتطبيق مشاريع الباص الخفيف ، والباص السريع ، أو احياء سكك الحديد بين الاماكن البعيدة . إن مشاكل السير ، لا زالت ضاغطة ومكلفة لانسان عمان ماديا وعصبيا ، ويظل السؤال للجهات المعنية ، الى متى هذا العذاب . ؟؟

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment