ترى الباحثة الاكاديمية الدكتورة عايدة النجار ان الصحافة الفلسطينية وما سجلته وعكسته عن النضال الفلسطيني في نصف قرن كانت ولا زالت شاهد عيان، وهي احدى المصادر الهامة التي ستظل تشهد على حق الفلسطينيين في دولة حرة على ارضهم المسروقة.
وتقول المولودة في لفتا – القدس وحاصلة على الدكتوراة من كلية وسائل الاعلام والاتصال الجماهيري بجامعة سيراكيوز باميركا ان الصحافة الادبية لعبت دورا وطنيا وان الادباء حرصوا على احياء اللغة العربية التي عانت من التهميش وكانوا اكثرهم من المتنورين المسلمين الذين تأثروا منذ القرن التاسع عشر بمحمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا، وجمال الدين الافغاني ومن المسيحيين الذين ساهموا باحياء الحس الوطني وتأثروا بنجيب غاروري صاحب كتاب «يقظة الامة العربية».
وعملت الدكتورة النجار في وزارة الخارجية ووزارة الاعلام الاردنيتان كما عملت في وكالة الانباء الكويتية وصدر لها العديد من الابحاث والدراسات وهي عضو لرابطة الكتاب الاردنيين ومنتدى الفكر العربي ولجنة القدس.
وحول كتابها الصادر مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بعنوان «صحافة فلسطين» تاليا الحوار:
تستعرضين الوجود المبكر للصحافة الادبية في فلسطين فما هو تاثير الادب في خضم الصراع` والاحتلال ؟
– فتحت الصحف صفحاتها للادباء والكتاب والمتعلمين، ومنذ البداية كان هناك وجود للصحف او المقالات الادبية، وامتازت بالنضج الفني واللغوي. فقد حرص الادباء على احياء اللغة العربية التي عانت من التهميش وكانوا اكثرهم من المتنورين المسلمين الذين تأثروا منذ القرن التاسع عشر بمحمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا، وجمال الدين الافغاني ومن المسيحيين الذين ساهموا باحياء الحس الوطني وتأثروا بنجيب غاروري صاحب كتاب «لقطة الامة العربية».
لعبت الصحف الأدبية دورا وطنيا، وكان أولها وابرزها مجلة «النفائس» العصرية (1911)، وساهمت في نقل الحضارة الروسية والترجمات للغة العربية، وكتب فيها اسعاف النشاشيبي، وخليل السكاكيني وشارك الكتاب العرب مثل البستاني والريحاني بالكتابة للصحف سواء مقالات سياسية او ادبية وصدر في فلسطين هذه الفترة اكثر من 29 مجلة ادبية، منها مجلة زهرة الجميل، والاصمعي، والاخلاق والمطرقة والفجر، وانتعشت الصحافة الادبية في الاربعينات وصدرت الغد والرأي العام، وعدد من المجلات التي أنشأها المثقفون القرويون وانتعشت الصحافة الادبية في الاربعينات في فترة ضمور الحركة الوطنية وانشئت مجلات تمثل الاندية الادبية والجمعيات الثقافية تجاوز عددها الثلاثين في المدن والبلدات.
بالاضافة فقد وجدت مجلات متخصصة مثل الصحافة الاقتصادية وصدرت عن الغرف التجارية، والصحف العمالية التي تدافع عن مصالحهم، وبرز منهم اميل حبيبي وعيسى شاكر، ومخلص عمرو، وعقيل هاشم وعبدالغني الخطيب وفي الاربعينات ايضا نشط الصحافيون والادباء في برامج دار الاذاعة الفلسطينية وشاركوا في الاحاديث الادبية ونظم الشعر، واقامة الندوات التي شارك فيها ادباء من الاقطار العربية منهم ابراهيم المازني، والشيخ عبدالعزيز البشري، ومحمد كردغلي رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق، وامين نحلة وعمر ابوريشة، ومشوخي ضيف وغيرهم.
لماذا هذا الكتاب التاريخي على الصعيد الاعلامي في هذا الوقت الذي حصلت تغيرات كثيرة بالقضية الفلسطينية وتحدياتها؟
– نحن بحاجة ماسة للعودة للتاريخ والعودة لدراسة كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وخاصة منذ ان زرعت بريطانيا جذور المشكلة، فكما نرى فالتخطيط قبل وبعد وعد بلفور كان حصيفا من قبل الصهيونية العالمية، ومع مؤيديها ومموليها من الرأسماليين الانجليز اليهود امثال روتشيلد.
وفي الواقع نرى اليوم ان ما تقوم به الصهيونية هو اعلى مراحل الاستعمار وفيه تحاول ليس فقط تثبيت اسرائيل في قلب العالم بل ايضا توسعة المستوطنات وبناء الاسوار، والتسرب الى باقي البلدان العربية، فالأسلوب لم يتغير اذ تحميها ايضا قوى الاستعمار وتنحاز لها حيث مصالحهم مشتركة.
وهناك تحديات لمواجهة اطماع اسرائيل مثل المقاومة الفلسطينية بجميع اشكالها واتجاهاتها.. وهناك ايضا من المشككين بامكانية مواصلة النضال وعدم التنازل، والاصرار على حق الفلسطينيين في دولة فلسطينية مستقلة.
لهذه الاسباب واكثر، فمثل هذا الكتاب في مثل هذا الوقت ضروري لأنه يعكس حركة النضال الفلسطيني في مدة خمسين عاما مع صحافته التي وثقت ما جرى في تلك الفترة الزمنية الخطيرة وعكست حياة الفلسطينيين من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ورغم المعيقات والتي اصبحت عالمية وبيد اميركا واسرائيل، فان القضية حية ولها في العالم انصار، ولكي تعيش وتحقق اهدافها، فلا بد من الاطلاع على تاريخها ومتابعة مراحلها وتحليلها ودراسة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الوطنية والعالمية بكل ما فيها من سلبيات وايجابيات، واسترجاع الماضي اذا ما نظر اليه بصورته الصحيحة، يكون حافزا من حوافز النضال، ومن الاهمية بناء الكفاح الحالي ومقاومة الاحتلال على اساس الوعي الصحيح والحقائق الثابتة التي تحاول اسرائيل تزويرها.
الصحافة الفلسطينية وما سجلته وعكسته عن النضال الفلسطيني في نصف قرن كانت ولا زالت شاهد عيان، وهي احدى المصادر المهمة التي ستـظل تشهد على حق الفلسطينيين في دولة حرة على ارضهم المسروقة.
هل كان للمرأة الفلسطينية دور في الصحافة خاصة وكانت الحياة لا زالت تقليدية في المجتمعات الفلسطينية؟
– من الملاحظ ان دور المرأة الفلسطينية كان منذ البداية دورا نضاليا الى جانب الرجل، وقد نشطت في الحركة الوطنية رغم الظروف الاجتماعية التي لم تمنعها من لعب دور. واشتركت في ثورة 1920، وعارضت وعد بلفور والهجرة اليهودية. كما شاركت في هبة العراق 1929، وعقدت النساء اول مؤتمر نسائي في القدس حضرته 200 مندوبة يمثلن انحاء مدن فلسطين ووقفت الصحافة لجانب المرأة ونشرت اخبارها على الصفحات الاولى كما في المؤتمر العالمي.
بالاضافة لتغطية الاخبار فمنذ العشرينات اهتمت الصحافة بالكتابة بموضوعات تتعلق بالمرأة بأقلام رجال ونساء واوجدت جريدة الكرمل زاوية «صحيفة النساء» عالجت فيها موضوعات منها التقليدية التي تطالب بدور فقط كأم وزوجة وربة بيت، وفريق آخر يطالب بدور متحرر وتطالب بنشاطات سياسية واجتماعية وثقافية.
كما كان هناك نساء يكتبن في الصحافة ومنهن سافرج نصار زوجة نجيب نصار صاحب الكرمل، واسماء طوبى، وماري شحادة زوجة بولص شحادة صاحب جريدة مرآة الشرق، وبرزت نساء في الاربعينيات عملن في الحقل الاجتماعي منهن غيدة سلام الخالدي، ورائدة جارالله، وزليخة الشهابي، وهند الحسيني، وفاطمة الحسيني، كما عملت النساء في الاذاعة وكانت مفيدة الدباغ تقدم برنامج المرأة، ولذلك عملت المرأة بنشاط الى جانب الحركة الوطنية وصحافتها التي كانت تسير بشكل مواز لها.
الصحافة الفلسطينية تنبهت الى الخطر الصهيوني، ولكنها لم تستطع التنبه الى خطر اكبر هو الامية والتخلف والفقر الذي هزم الشعب قبل خطر الصهيونية؟
– الامية والتخلف والفقر الذي كان سائدا في المجتمع الفلسطيني، كان نتيجة للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي السيء بسبب السياسة العثمانية حتى الحرب الاولى ثم الوضع الجديد تحت الانتداب البريطاني، ومثل هذه الافات والتحديات بحاجة لحكومة وطنية عربية مستقلة لمحاربتها وايجاد قوى بشرية نشطة اقتصاديا وثقافيا تنهض بها.
وفي الواقع كان هناك طبقات اجتماعية ومهنية في فلسطين من كبار الملاكين والتجار والعمال والصناعيين، والفلاحين والمزارعين، والمثقفين ومنهم الصحافيين.
وتميزت كل طبقة بمهنة، ووضع اجتماعي فمثلا كان هناك سكان المدن الذين استطاعت عائلاتهم من الملاكين وكبار التجار من ارسالهم للتعليم في الاستانة، او لندن، او باريس، او في المدارس التبشيرية، وتعتبر هذه الطبقة من البرجوازية الوطنية او المتوسطة، ومن اللافت وكما بينت في الكتاب ان هذه الطبقة من المسلمين والمسيحيين العرب قد لعبت دورا وطنيا فاعلا، اذ حملت ابان عهد الانتداب مسؤولية النضال السياسي، في الحركة مع الفلاحين الذين كان لهم دور تاريخي في محاولة الحفاظ على الارض.
هذه العوامل متشابكة، وكان اصدار الصحف من قبل الطبقة المتعلمة مساهمة في عملية التنوير واليقظة واشعال الروح الوطنية واحياء اللغة العربية بالاضافة فان اوائل الصحف كان قد اصدرها مثقفون ومعلمون في المدارس، مثل (الدستور) اصدرها خليل السكاكيني مؤسس المدرسة الدستورية في القدس (1910) ومجلة دار المعلمين 1920 ومجلة روضة المعارف والكلية العربية 1927 لاحمد سامح الخالدي وغيرها كما وجدت صحف عالجت هذه المواضيع ووضعت على اجندتها القضايا الزراعية والارض وتسربها والهجرة اليهودية سبب سرقة الارض، بالاضافة لصحف عالجت هذه القضايا بشكل جعل الفلاحين والاميين في المدن ان يلتقوا في المقاهي حول من يقرأ لهم الجريدة.
وعالجت الصحافة مشاكل العمال والغرف التجارية والصناعية، وكذلك مشاكل القرى ودعت لفتح المدارس ونشط المثقفون القرويون الذين تعلم اكثرهم في الجامعة الاميركية في بيروت، وعملوا في مجتمعاتهم من اجل تطويرها ونهضتها.