لم أستطع تلبية دعوة الدكتورة عايدة لحضور حفل توقيع كتابها بنات عمان أيام زمان بسبب السفر خارج البلاد .. وللأسف لم أحضر مناقشته ..الا أن عنوان الكتاب شدني للغاية قبل قراءته.. كما جذبني المضمون بصورة أكبر عند الاطلاع عليه .. فبقدر ما يحمل نوستالجيا الحنين الى ماض طيب لطيف وديع بالرغم من المتاعب الشخصية والعامة التي رافقته حينذاك الا أنها كانت أرحم بكثير مما يجري الآن في وقتنا الحاضر ..
الدكتورة عايدة حملتنا على أثير معطر بالفل والياسمين الى عمان القديمة الى شوارعها الضيقة .. وأدراجها العتيقة .. جعلتنا نستشعر كل قطرة خير نطقت بها كلماتها .. استرجعنا روابط الخير ومعاني المحبة الحقيقية التي كانت تشد الناس الى بعضهم البعض .. وبغض النظر عن سيل الذكريات التي تقطر رومانسية بقدر ما يحتوي على مضامين و يحمل دروسا ثقافية وتربوية ..
محطات هذا الكتاب مشوقة أنتقي منها بعض الإضاءات التي تلقي الضوء على تناقضات متكررة.. فانفتاح أيام زمان أصبح انغلاقاً هذه الأيام .. كما أن انغلاق الماضي أصبح انفتاحا في وقتنا الحاضر .. وبغض النظر عن عناصر الانغلاق المتبدلة فهي ما زالت تتخلل الماضي والحاضر عندنا لكن بتوليفات مختلفة ..علما لو أننا اخترنا الأفضل من القديم والحديث عبر غربلة موضوعية لحصلنا على التوليفة الأفضل للتقدم والنمو والتطور …. فبين أقصى حالات التزمت الى أقصى حالات الانفلات تتأرجح المجتمعات النامية وهذه آفة أجتماعية لا بد من معالجتها عبر التوعية القصوى..
وصفت الكاتبة حال الطالبات ففي الوقت الذي كانت فيه المعلمات والطالبات سافرات.. ويشاركن في المباريات الرياضية بملابسهن المخصصة لذلك .. ومع ذلك كان الضرب كأسلوب تأديب يمارس في المدارس .. بعكس هذه الأيام بقدر ما تنهال الأفكار الحديثة علينا بقدر ما يزحف التزمت .. وكأن قدرنا أن نراوح مكاننا .. سواء في الماضي أو الحاضر .. كانت عقول الطلاب متفتحة وواعية سياسيا واجتماعيا .. حتى طالبات المدارس كن يشاركن بكافة الأنشطة السياسية …. نعم التقاليد والقيود ربما منعت الاختلاط الذي نشهده هذه الأيام ..الا أن نسبة الوعي كانت أعلى بكثير من الآن والنضج أكثر عند الطلاب بغض النظر عن ضيق فضاء الحرية المتاح حينذاك ..
وأنا بدوري أضيف ما أحوجنا الى الحرية الإيجابية والا فلا ! ذكرت الكاتبة نقطة هامة كان الطلاب ذكورا واناثا يدرسون في المدرسة ويلعبون في البيت لينقلب الحال هذه الأيام فنجدهم يدرسون في البيت ويلعبون في المدرسة .. مما يشكل عبئا على الأهل في القيام بمساعدة أولادهم أو الاستعانة بمدرسين خصوصيين .. أنتقدت المؤلفة أسلوب التلقين الذي كان متداولا أيام زمان حتى أن كافة أفكار التعليم الناقد والأبداع التي نسمع عنها هذه الأيام -برأيها- هي مجرد نظريات لا تطبق في مدارسنا ويبقى أسلوب التلقين مستمرا لحد الآن ..
كتبت الدكتورة عايدة ..عن الأنشطة المدرسية والمباريات الرياضية والرحلات كلها برمتها تساعد على صقل شخصية الطالب .. فالنهار المدرسي الطويل بأسبوعه الأطول آنذاك كان يساعد على ذلك بعكس الأيام المدرسية القصيرة وأسبوعها الأقصر في وقتنا الحاضر.. ونتفق مع المؤلفة ونضيف الى ذلك ، أن الأنشطة المدرسية تنثر وتنمي روح الفريق الجماعية التي نفتقدها بكثرة في حياتنا العملية ، فالانجاز والنمو والتطور والتقدم تحتاج كلها الى روح رياضية وجماعية ..
ومما يدل على موضوعية الكاتبة فهي لم تنثر الأزهار قسرا على صفحات الماضي، ولم تقلب الأسود الى أبيض فقد ابرزت بموضوعية الميزات الايجابية والسلبية للماضي والحاضر على حد سواء ..فما أحوجنا كأفراد ومؤسسات أن نقف وقفة صدق ومراجعة لأجراء عملية جرد للماضي والحاضر مستعينين بمراجع اجتماعية وثقافية مثل كتاب بنات عمان أيام زمان ..
نادية هاشم