ذكريات حميمة لبنات عمان ايام زمان تنهدت الدكتورة عايدة النجار اثناء سردها لذكرياتها ايام الصبا : وبعض البنات كن محظوظات لان فساتينهن البيضاء كانت قد حاكته لهن احدى الخياطات المعروفات في عمان من اللواتي كن يخيطن الملابس لسيدات الطبقة الراقية ومنهن مثلا (مزين البرق) وكان بيتها يقع في اول شارع الشابسوغ عند موقف باص الزرقاء و(كوكب العقروق) وكان منزلها يقع في شارع الملفوف المتفرع من طلعة جبل عمان قبل ان تفتح محلا راقيا في اخر طلعة جبل عمان عند الدوار الاول وقد استقطبت اكثر زوجات الوزراء والمسؤولين في عمان وكذلك (نشأت عبده) وهي شقيقة (سميحة عبدة) المعلمة في مدرسة زين الشرف وكانت تسكن بجوار المدرسة .
ومن بين الخياطات كذلك عدد من الارمنيات اللواتي اتقن المهنة وكذلك بعض الشركسيات ومنهن (نظمية اباظة) وكانت اجرة خياطة الفستان تتراوح ما بين (15-75) قرشا اما البعض الاخر من البنات فقد كن يشترين الفساتين الجاهزة من المحلات القليلة التي تستوردها من الخارج ومنها (محلات كليوبترا) مقابل البريد والحايك في جبل عمان وقد كانت فساتين الامهات في الخمسينات رزينة وذات الوان غامقة وراكزة مثل البني والرمادي والزيتي ولم تلبس الامهات اللون الاحمر بعد سن الاربعين وكانت موضة الفساتين تختلف عن فساتين بناتهن الاكثر تمشيا مع الموضة والاكثر تأثرا بالمجتمعات الغربية مثل فساتين نجمات السينما التي بدأت تتسرب وتؤثر في تغيير العادات والتقاليد ففساتين الامهات كانت بشكل عام فضفاضة وترتفع القبة لتغطي العنق وطويلة لنصف الساق او كله والاكمام طويلة.
وهكذا تستمر مؤلفة كتاب (بنات عمان ايام زمان ذاكرة المدرسة والطريق) د . عايدة النجار في سرد ذكريات بنات جيلها ايام الخمسينات وما قبل وبعد حول امور كثيرة منها مثلا ما قد سردنا بعضه حول الازياء لتتحدث ايضا حول دخول موضة الكعب العالي وادوات التجميل والصالونات والاحتفالات والرحلات وحضور افلام السينما والمظاهرات الوطنية والحديث عن شخصيات نسائية عديدة جدا ومؤثرة وكذلك الشخصيات الرجالية المؤثرة ايضا في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في عمان في منتصف القرن الماضي تقريبا.
وكان هذا الكتاب والذي يستأثر على روح وعقل وقلب القارئ والقارئة بسبب عودته الى الحنين والشفافية للماضي الاجتماعي وللمكان في عمان قد صدر في طبعته الاولى في بداية هذا العام 2008 حيث لاقى انتشارا كبيرا لدى العديد من مختلف الاجناس والاعمار كبارا وصغارا ذكورا واناثا فقد عقدت في الاشهر السابقة ومنذ صدور الكتاب في طبعته الاولى العديد من الندوات والامسيات التي احتفت وناقشت الكتاب مع المؤلفة حتى ان الكثير من قراء هذا الكتاب ودوا لو اشتركوا في اضافة وسرد ذكرياتهم وما يعرفوه عن تلك الفترة الزمنية والاماكن والاحداث التي عايشوها .
لذا فقد كانت المؤلفة د. عايدة ترد عليهم بسرور وهي تقول لهم ان هذا هو هدف اخر من تأليفي لهذا الكتاب وهو ان اشجعكم لسرد ذكرياتكم واخراجها في كتاب خاص بكم.
ومن المدهش ان نعرف من المؤلفة نفسها خلال لقاء (ابواب الرأي) معها ان اكثر القراء لهذا الكتاب كانوا من فئة الشباب ذكورا واناثا.. وكان العديد منهم يشترون الكتاب ليهدونه الى امهاتهم وجداتهم مثلا.. او ان تحدث حلقات قراءة اسرية جماعية لفقرات هذا الكتاب في البيوت.
اما في الطبعة الثانية لهذا الكتاب والتي صدرت مؤخرا-بسبب نفاد الطبعة الاولى- فقد قامت د. عايده بتنقيح وزيادة في بعض المعلومات وكذلك زيادة الصور الفوتوغرافية القديمة على صفحات هذا الكتاب في طبعته الثانية ومثال ذلك انها قد اضافت الصور التالية بعد حصولها عليها ببعض الجهد والتعب ومنها: صورة اساتذة وطلاب الكلية العلمية الاسلامية في الخمسينات يتوسطهم الشيخ النبهاني.. صورة طالبات في زيارة لقبة الصخرة في القدس.. بركة السباحة في الزرقاء.. سينما سلوى في الزرقاء.. المطبعة الوطنية.. رئيس الكشافة العالمي يزور فرقة الكشافة في مدرسة زين الشرف في عمان في الخمسينات.. فندق فيلادلفيا ومسابقة الجمال.. فندق الاردن في جبل عمان وهو بطور الانشاء.. مدرسة المأمونية في بابا الزاهرة بالقدس قبل عام النكبة ,1948. وصورة اخرى للمدرسة بعد الاحتلال الاسرائيلي وفي هذا الكتاب الشيق يسرد ذكرياته الجميلة من ناس واماكن حميمة على قلب كل مواطن عماني (أي من سكان عمان) نلاحظ الفصول التالية وهي: – في حضن مدرسة اروى بنت الحارث في عمان.
– كل الطرق الى مدرسة زين الشرف الثانوية.
– مديرة خانم والمعلمات.
– القراءة والكتابة والحساب والدروس الاخرى.
– الشابات الصغيرات (المراهقات) – علاقات عابرة اولاد وبنات – شقاوة وتسلية – شعر وقصص من الذاكرة – اديبات وصحفيات صغيرات – شعور وطني وسياسة – حفل التخرج الى مدرسة الحياة.
– فمن الفصل السابع نقرأ بعض الفقرات والمواقف مثلا: شقاوة بنات المدرسة اخذت الكثيرات الى (مطعم جبري) في الفترة المخصصة للغداء.. فالكنافة كانت الحلم الحلو بعد الدراسة، وتتذكر (مكرم قندور) ابنة عزت قندور وكان ذا رتبة عالية في الجيش وقد رآها والدها مع صديقاتها تخرج من مطعم جبري والذي نبهها بعدم التردد عليه مع البنات.. ومنذ ذلك اليوم اصبحت تخاف من التأخير والعودة للبيت الذي يقع في (حي المهاجرين) بعد الانتقال من الزرقاء الى رأس العين والسيل الجميل الذي كان كثير من الشركس يسكنون حوله وتقول: كلما مررت من امام مطعم جبري في السوق اتذكر ايام الشباب والشقاوة ايام زمان. وكانت صديقات المدرسة ايضا يسعدن بتناول الغداء في (مطعم اوتوماتيك) المقابل لمطعم جبري خاصة وكان المطعم يقدم الوجبات على سطح العمارة المطلة على السوق.. ومثل هذه التصرفات البريئة لم تُبد للبنات كتحد للاهل او العادات والتقاليد بل كانت احدى عوامل الحراك الاجتماعي الذي يأخذ مجراه بشكل طبيعي للمزيد من الحرية والانطلاق، وقد خف وقع ما اعتبره البعض تمردا من البنات في الخمسينات ليصبح مقبولا من الاهل في العقود اللاحقة ولتتغير كثير من العادات والتقاليد المتعلقة بالمرأة في مجتمع اصبح مفتوحا على الثقافات العالمية.. وفي هذه الفترة ازداد عدد المطاعم والمحلات التجارية في السوق قاع عمان وسط البلد، مما ساعد على ايجاد اماكن اكثر للوقوف بها والتسكع في الطريق الى البيت.. واتذكر كيف كنت اطلب من المطعم طبق (النخاعات) معتقدة ان ذلك يزيد الناس ذكاء.. ولم اكن اعرف انه يزيد نسبة الكوليسترول في الدم.. مما زهر في الجسم في سن (الشباب المتأخر).
وكان (ستوديو لندن) للتصوير الفوتوغرافي والذي يقع على زاوية عمارة البريد قرب تكسي الرشيد احد المحلات التي تقف البنات عنده لاخذ الصور التذكارية مع (اعز صديقة لها) وقد وثقت صورة اخذتها مع الصديقة (فتوح ابو الفرج المفتي) وهي من صفد، وقد قرب موعد الفراق في اخر سنة دراسية (المترك) وقبل ان تلتحق فتوى بدار المعلمات ولاسافر لاول مرة بالطائرة الى (القاهرة) لاكمل اول مرحلة في الدراسة الجامعية قبل (اميركا) فيما بعد.
اما عن مؤلفة هذا الكتاب الدكتورة عايدة النجار فهي من الناشطات في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والتنموية والعلمية وهي عضو في عدة منظمات مدنية منها مثلا: رابطة الكتاب الاردنيين ومنتدى الفكر العربي ومنتدى بيت المقدس.. وهي باحثة وكاتبة ومؤلفة في قضايا المرأة وقد حصلت على درجة الدكتوراه (ph.d) من جامعة سيراكيوز في نيويورك الولايات المتحدة الاميركية عام 1975 حول (وسائل الاعلام والاتصال الجماهيري و والسياسية). وعلى الماجستير صحافة وتنمية من جامعة كانسس في اميركا، وليسنانس في علم الاجتماع من القاهرة. وعملت في وزارة الخارجية الاردنية في عمان وباريس (اول امرأة قنصل في الاردن) وعملت في وزارة الاعلام الاردنية واعُيرت لوكالة الانباء الكويتية (كونا) في مرحلة التأسيس ضمن فريق عمل اجنبي عام 1978.
وعملت في وزارة الشؤون الاجتماعية في عمان وفي وزارة الزراعة (الارشاد الريفي) وتعرفت فيه على المشاكل الاجتماعية في اكثر المدن والقرى والمجتمعات المحلية في الضفتين. ولها عدة مؤلفات في الصحافة والاعلام والاجتماع.