مثل قطرات الندى في فجرمقدسي,استحضرت ذاكرة البنت الشلبية د.عايدة النجار صورالحياة في القدس بأمكنتها وأهلها,وحراكها الاجتماعي والثقافي وتكامل أكنافها مع المدينة, منشئة من مفردات الأرض والحياة اليومية ظلالا وارفة تحنو على وجداننا من لوعة الغياب في هجيرالزمان.
بعثت هذه الباحثة المتميزة عز القدس بهيا متأ لقا في زمن القهر والإذلال، وأطلقته من إسار الزمن نابضا بالحياة معبرة عن الضميرالجماعي العربي، ومخاطبة الضمير الإنساني العالمي الذي لوثته الادعاءات الصهيونية: أن فلسطين أرض بلا شعب مبرزة المفارقة بين شعب ملأ الدنيا علما وفنا رغم شتاته وبين محتل همجي معاد للحياة والإنسان يقتلع الشجر ويقتل ويشرد البشر ويهود الأرض والحجر ويملأ العالم دمارا عاجزا رغم قوته العسكرية عن محو هوية القدس. لم يكن الكتاب كتابا وثائقيا رصينا فحسب بل احتوى بين دفتيه روحا متوهجة بإرادة الحياة، موارة بالحيوية والظرف وا لطرافة وأجواء عابقة برائحة الزعتر والميرمية عامرة بالقيم الحضارية العربية الإسلامية والتسامح الديني.لم يكن في الكتاب صوت الكاتبة الفردي فحسب بل صوت الوجدان العربي الجماعي وحفيف أوراق الشجر وكركرة النوافير في البيوت المقدسية وأصوات الباعة في الأسواق وزغاريد الشلبيات وأغانيهن في الأفراح, وإبداعهن في الصحف ورؤاهن التحررية ونضالهن ومواقفهن الوطنية. نضجت الصبية التي بكت من الخوف وهي تتراكض مع أهلها للرحيل القسري ومكبرات الصوت تمارس الإرهاب النفسي بالعربية بعد أن اغرقت الأرض بدماء الفلسطينيين العزل (أشفقوا على نسائكم وأطفالكم من حمام الدم هذا) لم تبق ذاكرة الصبية مندَاة بدموع المأساة مستسلمة لسكون الحنين، بل أورقت وأثمرت عطاء مبدعا متوهجا بإ رادة الحياة والعمل الدؤوب من أجل حماية الذاكرة والهوية بتوثيقها حتى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
هدى ابو غنيمة