قدم أستاذ النقد، مدير مكتبة الجامعة الأردنيّة د. إبراهيم السعافين، قراءة نقديّة في الكتاب الصادر حديثًا «القدس والبنت الشلبيّة»، للدكتورة عايدة النجار.

وكان استُهلّ اللقاء بكلمة مستشار سمو الأمير الحسن بن طلال، أمين عام المنتدى بالوكالة د. فايز خصاونة، قال فيها:إن «القدس، ترتيلة نردّدها، ودعاء نصعّده مع أسيّة الافتقاد، ودرس نُدرِّسه للأبناء والأحفاد إلى أن يعود الحقّ لأهله، وتاريخ نسطره في المؤلَّفات لتغطي ما يزيد على خمس ألفيّات. القدس ليست الماضي والحاضر فقط، بل هي المستقبل أيضًا».

وأشار د. خصاونة إلى أن هذا اللقاء يخرج عن المنهجيّة المتبعة في المنتدى في تقديم الكتب، «فهو ليس لإشهار كتاب قد أُشهِر واشتُهِر، وإنما هو للمشاركة في رحلة وجدانيّة عبر كتاب «القدس والبنت الشلبيّة»، الذي يؤرِّخ لجانب غير مطروق من هُويّة القدس».

وبين د. إبراهيم السعافين في لقاء «نادي الكتاب» بمنتدى الفكر العربيّ أن هذا الكتاب يتناول شريحة مهمة تتصل بالمرأة المقدسية، وقد اختارت لها د.ة. عايدة النجار في هذا الكتاب صفة «الشلبيّة» اللفظة الدارجة التي تطلق على المرأة الجميلة، ولعل كثيراً من المدن والقرى الفلسطينية يطلقون لفظ» الشلبي» و» الشلبية» على الرجل الوسيم أو المرأة الجميلة، ولعل لهذه اللفظة صلة بمكان في الأندلس. وقد اختارت أن توسع من مجالات دور المرأة في الحياة العامة لتشمل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والتعليمية والصحفية.

وأضاف: لقد اختارت المؤلِّفة أن تبني كتابها على عنصرين هما السيرة الذاتية والتاريخ، مما طبع لغة الكتاب بالحرارة في التفكير والتعبير، فالباحثة تعتمد روايات تاريخية موثقة لكنها تسند هذه الروايات التاريخية بتجارب حارة مرت بها منذ أيام طفولتها في عائلة موسرة في قرية لفتا إلى خروجها مع عائلتها قسرًا إلى القدس، ومتابعة رحلة الحياة فيها لتكون شاهدة على حياة المرأة الشلبية في القدس وتطور الحركة النسوية فيها، من خلال ما نجم من تفاعلات هائلة بفعل المأساة الفلسطينية.

 وأكد د. السعافين أن الباحثة رفدت خبرتها ومروياتها التاريخية بمرويات شفاهية جعلت مصادر المعرفة تتكامل، وكانت الصور الفوتوغرافية إضافة حقيقية للكتاب، قدمت صورة واضحة عن الحياة المقدسية ولاسيما حياة المرأة المقدسية، في ظل تفاوت طبقي واضح بين كم كانت بعض العائلات ترفل في النعيم، لكن هذه المرأة ظلت في الأغلب وفية لوطنها وحاجاته، ولعل دور بعض هؤلاء النسوة يفصح بجلاء عن المهمات الخطيرة التي قمن بها من مثل المشاركة في النضال أو القيام بالمجهود الحربي بصورة مباشرة.

وأوضح الناقد أن المؤلِّفة ألقت الضوء على حياتها وحياة أسرتها وبيَّنت دورها العلمي والاقتصادي مُمثِّلةً لدور القرية في الحياة العامة، فعلى الرغم من الاستغلال الذي واجهته القرى من الأعيان والإقطاعيين في المدن، فإن الباحثة ركزت على التعاون والتكامل أكثر من تركيزها على التناقض الذي لم يكن يسيرًا في أمثلة أخرى، واختارت أن تبرز كيف ظهر من القرى متعلمون ومثقفون واقتصاديون لا يقلون عن سكان المدينة القدس، وكأن القدس هي المدينة وأكنافها من القرى المحيطة. ولقد اختارت المؤلِّفة أيضًا أن تخصص أربعة فصول من أربعة عشر فصلاً يتكون منها الكتاب للحديث عن القدس عامة قبل أن تدخل في حديث مفصل عن دور المرأة المقدسية ومشاركتها الرجل في مناحي الحياة المختلفة، فكانت الفصول دالة على أن المرأة لم تكن منعزلة في اهتماماتها عن الرجل، بل كانت العلاقة شراكة وتكاملاً.

كما أوضح د. السعافين في قراءته، الأسلوب الذي عبَّرت به الباحثة عن الترابط في المجتمع الفلسطيني الذي مثلته القدس أصدق تمثيل في بيان العلاقة الوثيقة بين المسلمين والمسيحيين؛ إذ كانت اللحمة شديدة بينهم، في الاجتماع والسياسة والتعليم وفي الهم الوطني والقومي، ولعله من بين أهم الأهداف التي سعت الكاتبة إلى إبرازها في هذا الكتاب المهم الذي ينضاف إلى كتب سعت إلى إبراز الحياة الثقافية في فلسطين في الوقت الذي تسعى فيه الدعاية الصهيونية اليائسة من تصوير الأرض التي احتلتها بأنها كانت بلا شعب، وبالتالي بلا ثقافة؛ فالثقافة بنت الوجود وبنت الحضور التاريخي.

وقال: لقد صرف أهل فلسطين والعرب الجزء الأكبر من جهدهم في التركيز على الفعل السياسي بمناحيه المختلفة، ولكنهم صرفوا الجهد الأقل في الجانب الثقافي، وظل بحثهم تعتوره حلقات مفقودة لا سبيل إلى العثور عليها بسبب الحملة المدبَّرة المتواصلة لتدمير الثقافة الفلسطينية وتغييبها بعد تدمير الوجود وتغييب التاريخ، ولعل هذا الكتاب يمثل حلقة مهمة من إثبات الحياة الثرية لأهل مدينة لها أهلها المتمسكون بها ولها شعب لا يقايض بها أي شيء في الدنيا.

وعدَّ الناقد د. السعافين الكتاب غنيًا بما قدَّمت فيه الباحثة من معلومات عن المرأة والرجل معًا، مُشيرًا إلى ثروة لا تقدر من الصور تضمّنتها الكتاب وتعكس مناحي الحياة، المختلفة في القدس وفلسطين، في حس طاغٍ بالحنين لزمن جميل تكسر إلى شظايا، توقف عنده التطور الذي كان يمكن أن يصيب الحياة المقدسية لو سارت الأمور في مسارها الطبيعي ولم تتم المؤامرة الاستعمارية الصهيونية على فلسطين والأمة العربية. ولعل وضع المرأة في هذه المرحلة ينبئ عن صورة الحياة العامة لشعب كان يسلك طريق التقدم بخطا ثابتة أجهضت إنجازاته ودمرت ثقافته بتخطيط لئيم.

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment