الإضراب عن الطعام هو إحدى وسائل النضال الإيجابية لايقاع الهزيمة بالجلاد . ولأن هذا النوع من النضال من أقوى الوسائل التي تحرج المحتل، فالسجان يحاول إيقافه بشتى الطرق علّه يضعف صمود الأسرى في سجون الجلاد، صلابتهم وتعريض حياتهم للخطر بعد أكثر من ثلاثة أسابيع ،لم يضعفها الجوع والعطش ولم يثنهم عن الاستمرار في هذا الاضراب لناس من لحم ودم . إنهم يتحدون الجلاد بسلاح الجوع والعطش لتحقيق هدفهم النبيل من أجل قضيتهم الوطنية .
سلاح الإضراب عن الطعام وتعريض الحياة للموت، استعمله أحرار العالم كعمل احتجاج سياسيّ لإيصال سياستهم للعالم، علّ هذا النضال السلمي يشعر السجّان بالذنب وعدم إنسانيته .ولعل وحشية إسرائيل التي تهدد بامكانية تغذية الأسرى بالأسلوب القسري المحرم قانونيا والتي كانت السبب في وفاة بعضهم في الثمانينيات ليؤكد وحشية السلطات الاسرائيلية المحتلة .
إسرائيل لا تتوانى باستعمال الحرب النفسية لكسر معنوياتهم علّهم ينهون الاضراب . إلا أن دروس النضال بالجوع بين أحرار العالم كانت ولا تزال رمزا ً يغذي أمعاء الفلسطينيين . فتجمع الفلسطينيين المناصرين للجوعى الابطال ، في ميدان نيلسون مانديلا في رام الله ، ليعزز العزيمة وهم يستذكرون أبرز المناضلين العالميين في النضال الوطني منهم ، نيلسون مانديلا الذي انتصر على جلاده وجاع أكثر من مرة من أجل انهاء سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والتي تحققت . ومن الذين خاضوا الإضراب عن الطعام ، بوب ساندس المناضل الأيرلندي الذي تزعم حركة الإضراب عام 1981 ،وتحدى سلطات القمع البريطانية، ليموت نتيجة الجوع بعد تلك الفترة . وهناك الكثيرون من الشخصيات النضالية التي أصبحت رمزا لا يحب المستعمر سماع أسمائهم ومنهم المهاتما غاندي وغيره، وقد ظلوا رمزا للنضال لحركات التحرر الوطني .
ممارسات غير إنسانية يعيشها الأسرى الفلسطينيون اليوم في سجون إسرائيل وعددهم 1500 أسير مضرب عن الطعام منذ 22 يوما دفعتهم للاحتجاج على أوضاعهم الداخلية بقيادة مروان البرغوتي المحبوس في العزل الانفرادي غير الإنساني، كما من سبقه عرّف العالم مع الآخرين من المناضلين، ومنهم خضر قبل اليوم، خضرعدنان المناضل من غزة الذي رفع صوت السجن وغذابات الأسرى للعالم . إنهم يطالبون بحقوق مشروعة لتحسين أوضاعهم في الأسر، التي تحرمهم إدارة السجون منها وهي : توفير الهواتف العمومية، والسماح بالحصول على الكتب، والسماح لهم بتقديم الامتحانات والانتساب للجامعات، بالإضافة لتمكينهم من الاتصال مع العالم باضافة عدد أكثر من المحطات التلفزيونية المتاحة . ولعل المطلب الملح الذي يطالبونه وعلى الجلاد تحقيقه، هو التوقف عن ممارسة السجن الانفرادي وعزل السجين عن بقية رفاقه .
هذا الاضراب من أجل تحقيق مطالب عادلة تحمي صلابتهم داخل السجون، استجاب لها أحرار العالم المناصرون للقضية الفلسطينية بأشكال متنوعة، يلقي الضوء اليوم على المعضلة التي تتحكم بها إسرائيل التي تمارس أبشع استعمار في وقتنا الحالي . فتحدي المضربين عن الطعام للجلاد بسلاح الجوع زاد التأكد أن الفلسطينيين الذين سرقت أرضهم قبل حوالي السبعين عاما لا تزال أرضا فلسطينية، وأرضهم التاريخية التي تآمر الاستعمار عليها قبل مائة عام من غير حق وهم مستعدون للموت في سبيل استرجاعها مهما طال الزمن . وهل هناك نشاطات ومشاركة أكبر من إضراب الآلاف من من العرب والمسلميين ومحبي الإنسانية في كل مكان، بمشاركتهم الإضراب عن الطعام ، أو بتناول الملح والماء كرمز إنساني ؟ .
مناصرو القضية الفلسطينية، أصبحوا اليوم كثرا في أنحاء العالم، وقد خلقوا ارباكات اقتصادية وسياسية للمحتل الذي لا يحترم القوانين الدولية ومستمر في غطرسته . فإضراب الاسرى، وإن أضعف الأجساد النحيلة، إلا أنه لم يكسر الإرادة في تحدي الاحتلال، لأنهم يكسبون الضمير العالمي الذي يحترم حقهم في الحياة ووطنا حرا مستعدون للموت من أجله !