القدس والبنت الشلبية” كتاب للدكتورة عايدة النجار يصف لنا القدس بأدق تفاصيلها في فترة ما قبل النكبة من أسماء أحجارها وأنواع أزهارها وقصورها ومدارسها وصحفها.. ودور المرأة المقدسية “الشليبة” أو “الحسناء” في الحياة آنذاك وإلى يومنا هذا.
أبنية القدس الجميلة
تستهل الكاتبة وصفها الجذاب للقدس.. بداية من جمال مبانيها الحجرية المتعالية ذات الطابع الأوروبي المخلوط بروح الفن المعماري الإسلامي من منتصف القرن التاسع عشر, ذاكرة أنواع الحجارة المستخدمة في البناء كما يسميها أهل القدس, الحجر “الطبز”, والحجر “الملطش”, والحجر “المسمسم”.
وكيف أنه يوجد لكل بيت “حوش” لكي تجتمع العائلة فيه, وهذا تراث من عصر المماليك والعثمانيين.
وتصف الكاتبة قصر المفتي لمالكه أمين الحسيني مفتي فلسطين قبل النكبة, الذي بناه والده الشيخ طاهر الحسيني, وهو من أول البيوت المقدسية التي بدأ أهل القدس تشييدها خارج أسوار البلده في أوساط القرن التاسع عشر, وهو مكون من طابق واحد يظهر فيه تميز المعمار الفني العربي والاسلامي. وقد أصبح هذا البيت محطه للأدباء, والمثقفين, والشخصيات السياسية بعدما استأجره جورج أنطونيوس صديق المفتي, صاحب كتاب “يقظة العرب” 1938 والذي يعتبر من أهم المراجع للمؤرخين في يومنا هذا.
أشجار وأزهار القدس
وتصف الكاتبة جمال الطبيعة في القدس, وجمال أزهارها وروت بعض القصص القديمة كما كانت تحكيها الجدة.. تقول الرواية إن “الميرامية” اسم مشتق من مريم العذراء, حيث إنها في احدى نزهاتها شعرت بالضيق من شدة الحر فقطفت بعض أوراق الميرامية لتجفف بها عرقها ومنذ ذلك الحين اكتسبت الميرامية هذه الرائحة الزكية.
ومن أجمل الأشجار التي تزين أرض القدس الزكية شجر الزيتون والتين والكينا والبلوط والسنديان والمئات من النباتات البرية الطبيعية التي تنتشر وتمتد في السهول والهضاب, ومن الأزهار زهرة السوسن الياسمين والبنفسج الجميل, وكانت النساء في القدس تزين بيوتها بقصاري الزرع “التنكات” ولم تعرف “البنت الشلبية” كم هو معدن التنكة مفيد للنبات!!
التعليم في القدس
وتحدثت الكاتبة عن افتخار أهل القدس “بالكلية العربية” الأشهر بين المؤسسات التعليمية العربية التي تأسست عام 1918-1919 كدار للمعلمين بجهد المثقفين الفلسطينيين, والتي أصبح اسمها عام 1928 “الكلية العربية الحكومية” التي كانت من أهم المؤسسات التعليمية ليس في فلسطين فقط ولكن في كل العالم العربي حتى عام 1948.
وكان في القدس العديد من المدارس لتعليم البنات مثل مدرسة السالزيان ومدرسة شميت, وأيضاً كان للمرأة القروية نصيب من التعليم حيث نشطت القرى بإنشاء مدارس البنات بمساهمة أهل كل قرية وكان هذا في منتصف الأربعينيات.
الصحافة المقدسية
وأشارت الكاتبة الى تاريخ الصحافة في فلسطين الذي يرجع الى مطلع القرن العشرين، حيث لعبت الصحافة كمنبر سياسي وثقافي واجتماعي وكوسيلة للتعبير عن الرأي العام والرأي المعارض للسلطة البريطانية, ومن أبرز الصحف جريدة الكرمل 1908, وجريدة فلسطين 1911.
فقد مجدت الصحافة آنذاك ثورات القدس 1920 ويافا 1921, وهبة البراق 1929, وثورة القسام 1935 والتي سميت “ثورة الفلاحين”, ثم الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939 التي اشتركت فيها كل فئات الشعب الفلسطيني لرفض وعد بلفور والحركة الصهيونية حتى عام النكبة 1948.
دور “البنت الشلبية” في الصحافة
وكان للمرأة الفلسطينية نصيب في ريادة الصحافة منذ الثلاثينيات من القرن الماضي مثل: ماري صروف شحادة, وساذج نصار التي أسست زاوية في الكرمل سمّتها “صحيفة النساء” عالجت فيها فيها الموضوعات السياسية والاجتماعية وقضايا المرأة بأقلام النساء و الرجال على حد سواء.
ومن الأديبات كلثوم عودة التي ترجمت العديد من المؤلفات من الروسية للعربية وبالعكس ومن الذين كتبت أو ترجمت لهم العلامة المستعرب كراتشكوفسكي ومن الدول العربية توفيق الحكيم, وجبران خليل جبران.
ومن مدينة الناصرة الأديبة ميّ زيادة البنت السمراء الشلبية, التي عرفها المثقفون اثر افتتاحها الصالون الأدبي في القاهرة والذي جذب أبرز المثقفين مثل عباس محمود العقاد وطه حسين.
ومن نابلس الشاعرة فدوى طوقان, التي كانت تنظم الشعر منذ نعومة أظافرها.
القدس و الفن
وتكمل الكاتبة وصفها لما كانت القدس عليه.. من اهتمام أهل القدس بالموسيقى وتعلم أولادهم وبناتهم فنونها في المدارس, والتي اشتملت اللآت الغربية والشعبية.
وكان في القدس العديد من المسارح, وقد تحمست النساء لحضور المسارح، ومن الطريف أنه كان الفضل لسيدة فلسطينية من حيفا “أم فؤاد” عام 1932 إطلاق لقب “كوكب الشرق” على أم كلثوم، عندما أطربتها أم كلثوم وهي تغني في حيفا فقالت لها بإعجاب: أنت كوكب الشرق بأكمله.. وأطربت أم كلثوم اهل يافا على مسرح “قهوة ابوشاكوش” فقام أحد الحضور وألقى لها أبياتاً طربت لها أم كلثوم.
دور “البنت الشلبية” بعد نكبة 1948
وتسطرد الكاتبة حديثها عن البنت الشلبية… بحلول النكبة عام 1948 انتقلت فلسطين الى مرحلة جديدة بعد تشريد حوالي 750 الف فلسطيني, نشطت الفئات النسوية بالعمل الخيري وكان من أبرزهن هند الحسيني التي آوت الأطفال الأيتام بعد مذبحة دير ياسين, وأظهرت المرأة الفلسطينية نضجاً في هذه المرحلة فعمل النساء بعد النكبة في الخدمات الصحية والاسعافات الأولية وتعلم الخياطة, ولم تترك المرأة تعليمها حتى أصبحت نسبة الدراسات العليا بين الفلسطينيات تفوق بنات الدول المتقدمة.
وتنهي الكاتبة حديثها: (لعل سجون الاحتلال المليئة بالأسيرات والأسرى كما القبور الغاصة بالشهيدات والشهداء الفلسطينيين, لهو أكبر دليل على اصرار” البنت الشلبية” الفلسطينية على المشاركة بالعمل الوطني والاجتماعي والتنموي لاقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف).
“القدس والبنت الشلبية” كتاب للدكتورة عايدة النجار, يقع في 375 صفحة من القطع الكبير, لدار السلوى للدراسات والنشر -عمان – 2010 – الطبعة الأولى.