ظلت أمريكا الدولة , منذ قيام الكيان الاسرائيلي تقوم بسياسة غير واضحة بالنسبة لمدينة القدس التي تشكل أهم العقبات في القضية الفلسطينية . وبالنسبة للأمريكيين اليهود في أمريكا فالقدس هي إسرائيل وكذلك بالنسبة للمؤسسات الأمريكية من شركات ومؤسسات ثقافية وتعليمية . لم أنسَ حادثة تؤكد على ذلك , عندما كنت أدرس لنيل درجة الدكتوراه في جامعة سيراكيوز , في نيويورك . كانت العادة في يوم التخرج وبشكل خاص لطلاب الدكتوراه حيث يمشي الطالب الذي سيستلم الشهادة على المنصة بعد المناداة على اسمه ليقف تحت علم بلاده الذي يرفع خصيصا لهذه المناسبة . وقبل موعد الاحتفال بيوم استدعينا , من بلدان مختلفة وليس بيننا أي إسرائلي للتدريب على العملية . وقد صعقت عندما نودي على اسمي لاقف تحت العلم الاسرائيلي المرفوع فوق رأسي لتنقلب سعادتي وفخري بالانجاز الى غضب ورفض للوقوف تحت العلم الاسرائيلي , علم العدو الذي سرق وطني . وبهذه الكلمات الصريحة والقوية التي كنت معروفة بصراحتي للتعبير عنها بكل مناسبة في الصفوف أو في كتاباتي في جريدة الجامعة “ أورانج “ . وإن كانت أمام منظمي الحفل وليس الجمهور الكبير الذي سيحضر الاحتفال في اليوم التالي . كنت محظوظة أن هذا تم في يوم التدريب وليس يوم الاحتفال . لا أنس ذلك الغضب العارم الذي اعتراني وكان تبرير منظمي الحفل أن “مكان الولادة “ في أوراقي هي مدينة القدس وهي اسرائيل بالنسبة لهم , اعتذروا واستبدلوه بالعلم الأردني مكان سكني .
هذه الحادثة تدل على جهل أو سياسة مراوغة للتضليل المقصود من اسرائيل ومن يهود أمريكا الذين يشكلون قوى ضغط قوية في السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وبالقدس بشكل خاص. يتجاهلون الحقائق وقد وضعت القدس بين 1948 -1967 تحت السيادة الاردنية وبعد احتلال إسرائيل للقدس الشرقية 1967 ’ ظل أمر القدس النهائي مرهونا بقرار دولي واجماع دولي أصبح شأنها شأن الاراضي العربية الاخرى المحتلة طبقا لاتفاقيات جنيف 1949 . إن ضرب إسرائيل بالقوانين الشرعية والدولية كانت ولا زالت لعبتها المفضلة ’إذ استمرت في توسيع منطقة القدس الشرقية ومحيطها , بالاضافة اصدارها قانونا عام 1980 يعتبر “ القدس العاصمة الابدية لاسرائيل “ , وما زالت ماضية في تهجير أهل القدس وتغيير معالم المدينة بهدم البيوت وتهجير الاهالي وسحب الهويات واعتبار أهل القدس “زوارا “.أنهم يواصلون أعمالهم بتقطيع المدينة بالجدار العنصري الذي يشوه الجغرافيا والتاريخ .
وفي هذا السياق هناك 500 مواطن أمريكي من مواليد القدس , ابطلت محكمة استئناف أمريكية اتحادية قانونا يمنع مواليد القدس بادراج اسم إسرائيل كمحل الميلاد في جواز سفرهم . لعل لهذا الخبر الذي يثير الجدل في أمريكا هذه الأيام ما يفيد أن أمريكا التي تعرف كل الحقائق عن القدس وأهميتها للعرب والمسلمين والديانات الأخرى عليها أن تثقف شعبها ولا تستسلم للنشاط الصهيوني فيما يتعلق بالقدس تحت الاحتلال الذي يرفع العلم الاسرائيلي في كل مكان يمكنه رفعه دون رادع وكما نراه يرفرف على بيت شارون في القدس . وقد آن الأوان أن يعرف الأمريكيون العاديون الطيبون أكثر عن التاريخ والجغرافيا ويدرسون أيضا أن هناك شعبا فلسطينيا اقتلع من أرضة وأن القدس لهم وليست لاسرائيل . ولن يفيد رفع الاعلام الاسرائيلية لمزيد من التضليل . !