لم يتمكن العرب من الاحتفال بشهر رمضان من هذا العام كما يجب والشعور بالامان والحب والتآخي وصلة الرحم وتنشيط العلاقات الاجتماعية كما كانوا في الماضي . أصبحت اللمّة بين الأهل والجيران وتناول الاطعمة التراثية مع بعض قليلة بسبب الأسى و الفقر والبطالة والأجواء العامة الغاضبة في شارع الربيع العربي الذي ثار على” الحاكم “ المتسلط و رفض تهميش الانسان الذي يبحث عن حياة أفضل. سعد الشارع وخرج الى صناديق الاقتراع وانتخب “ الصح والغلط “ ممن يمثلوه ولكن لم يزهر الربيع العربي حتى الان لتقطف زهوره الوردية , بل غرقت الشوارع بالدم الذي فاق كل الالوان وصبغ فساتين العيد بالأحمر . كانت البنات والنساء في الماضي تحب هذا اللون الذي يضفي النشاط والدفء بين الناس ويشعل نار المحبة وليس الكره والانتقام .
لن تتمكن بنات ونساء مصر هذا العام من لبس اللون الأحمر لأنه سيذكّر بدم الأبناء الشباب الكثر الذين سقطوا في الشوارع والميادين لاعتقاد بعضهم أن الموت سيأخذهم بزمن أقصر الى الآخرة ويختصر طريق الالام . واعتقد البعض الاخر أنهم سيمهدون الطريق لحياة أكثر ثباتا ووضوحا وواقعية تسمح للبنات والنساء لبس الألوان ومنها الأحمر والوردي في أعياد متتالية يسترجعون فيها التراث بالاضافة للانفتاح على أعياد الشعوب الاخرى . ما يجري في مصر من ضياع وفوضى في تفسير معنى الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان هي السبب وبخاصة كما فهمه مرسي وجماعته بعد الوصول للكرسي وسدة الحكم عن طريق الانتخاب . اعتقدوا أن بامكانهم أن يجيروا مصر لهم وحدهم دون مشاركة عادلة من الاحزاب الاخرى المنتخبة أيضا وإن لم تحصل على الأكثرية كما القانون . لقد أخطأ مرسي وأصابه الغرور , بل العمى عندما أصبح رئيسا “ لمصر المحروسة وأم الدنيا “ . نعم وبوضوح أصاب الجماعة الغرور لأنهم “ قوة منظمة “. ومع الأسف هذه القوة هي أيضا التي أعادتهم للوراء بعد أن طرد الشعب المصري الدكتاتور الجديد الذي حل محل الدكتاتور حسني مبارك “ وجماعته “ التي كانت ترفل بثياب العز بينما الشعب يلبس ملابس الفقر . ما يجري في مصر صورة محزنة لا نعرف للان كيف ستكون نتيجة هذه الحالة السياسية المعقدة .
لن تتمكن نساء وبنات سوريا المشتاقات للبس فستان العيد الوردي ووضع “ شكلة “على الرأس “لابن العم “ الذي مات أو تشرد وتلوث البيت الشامي الجميل والحارة بالدماء بينما الصديق والعدو في حيرة من التخبط بين الصديق والعدو . الوضع يزداد سوءا والخيام الكثيرة للاجئين تذكر بخيام الفلسطينيين في كل مكان ينتظرون العودة لوطنهم . لن تتمكن بنات وزوجات الشرفاء في تونس الذين يغتالون تباعا في بلد الياسمين , من لبس الأحمر الوردي لانه سيذكر أهل وأتباع المناضلين بلعيد والبراهمي في تونس بدم الذين اغتيلوا على عتبة بيوتهم . عندما سقطوا أمام أعين الأولاد والبنات والزوجات برصاص مشعّوثين يقتلون من أجل العودة للعصر الحجري في زمن ما يسمى بعصر حقوق الانسان . و كالعادة في كل عيد في فلسطين منذ أكثر من خمسة وستين عاما , لن تتمكن نساء وبنات الشهداء والأسرى الفلسطينيين في سجون العدو من حتى الحلم الوردي هذه الأيام لبيت أمن في دولة فلسطينية مستقلة ما دامت إسرائيل ومحبيها تعمل بشكل متواصل وبغرور المستعمر على انكار حق الشعب الفلسطيني باقامة دولته المستقلة على أرضه .
صورة سوداء تنذر لمزيد من التعقيدات في العالم العربي الذي يعيش واقعه على فوهة بركان من الكره يقتل الانسان بدم بارد والعقل شارد والعواطف متحجرة بينما كل من له مصلحة من الغرباء يدلي بدلوه. ! فإلى متى يظل العرب ينتظرون فستان العيد الورديّ الذي ينثر رائحة الورد الجوري الأحمر والياسمين بدل رائحة الدم , هذا هو السؤال ؟