رحلت الصحفية المخضرمة هيلين توماس عميدة صحافيي البيت الأبيض التي كان كرسيها في الصف الأول محجوزا لها، لتسأل الرؤساء السؤال الأول قبل كل الصحافيين وقد غطت أخبار عشرة رؤساء من كندي الى أوباما .. الصحفية الأمريكية من أصول لبنانية عربية ومن أبوين لبنايين من طرابلس ولدت عام 1920 في كنتكت في أمريكا وكانت فخورة بأجدادهم العرب وتتفهم القضية الفلسطينية من جذورها وتتعاطف مع الفلسطينيين تحت الاحتلال . انتقدت الهجوم على أسطول الحرية الذي كان يحاول كسر الحصار على غزة ووصفته بالوحشية . . في مثل هذا الشهر من عام 2010 قالت عندما سئلت عن رأيها باسرائيل أثناء احتفال أوباما بما يسمى ب “ شهر التراث اليهودي “ : “ ليعود اليهود الى وطنهم بولندا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة أو الى أي مكان “ قالت ذلك وقامت القيامة من يهود أمريكا وإسرائيل والصهيونية العالمية عليها مما اضطرها للاستقالة من صحف” هيرست “ وتقدم اعتذارا علّها تنجو من هذه الحرب عليها .
سعدنا نحن العرب الذين نتابع مدى قوة اللوبي الصهيوني في أمريكا أنذاك ولكننا لم نرحب بهذا التراجع بعد شجاعة كبيرة من الصحفية المحنكة التي ظلت تحت نيران العدو في بلدها لأنها قالت الحقيقة . وكانت أيضا صريحة عندما قالت عن أوباما : إنه ضمير حيّ , لكن لا شجاعة “ . كانت ملتزمة وصريحة فيما يتعلق بمفهوم الديمقراطية وبانتقاد الاعلام الامريكي 2006 بأنه “ مات سريريا “لتجاهله أخبار حرب العراق , ونصحت العرب : “ ابحثوا عن الحقيقة , وقد يكون ثمنها باهظا لكنه يستحق العناء “ .
مقالة في ( الدستور ,22 يوليو 2010 ) عنوانها “ الشخصية المثيرة للجدل “ كتبتها مباشرة بعد موقفها المتضامن مع العرب , وقلت فيها : تلعب إسرائيل في الاعلام والحكم على الشخصيات بالسلبية أو الايجابية دورا كبيرا , فقد أتقنت هذا بابعاد من لهم تأثير على الرأي العام وذلك لخداع الرأي العام العالمي بالاستعمار الصهيوني لاسرائيل “ . ما قالته هيلين توماس واضطرتها للاستقالة مثالا . ولعل ما لحق بها من ألام نفسية وجسدية وصراعها مع المرض جاء نتيجة للمعاناة التي عانتها بعد الاعتذار مرغمة عن أقوالها .
عندا قالت هيلين للعرب ابحثوا عن الحقيقة .. كانت صادقة والحقيقة كما أرى أن إسرائيل تسيطر على وسائل الاعلام الامريكية التي ترفع الصحفي أو تنهيه وكما فعلت وتفعل اليوم بسياستها التي رأتها هيلين غير ديمقراطية . لقد فضحت الصحفية المخضرمة – التي ماتت كمدا كما يبدو – الديمقراطية الامريكية المزدوجة والمتحيزة دوما لاسرائيل .خسارة رحيل صحفية لها تاريخ يتفهم القضية الفلسطينية ويرفع الصوت بجرأة حتى وإن “ اعتذرت “.ولم ينفعها الاعتذار حيث ظلت مغضوب عليها من اسرائيل والصهاينة وسياستهم العنصرية كونها من أصول عربية وتتفهم الظلم الذي يحيق بالفلسطينيين , الذين طردوهم يهود مهاجرون من بولندا وألمانيا وأي مكان أخر . نعم .. فليرحلوا ويعودوا الى أراضيهم الاصلية وليتركوا الأرض الفلسطينية لأهلها الفلسطينيين الذين يعملون للعودة مهما طال الزمن . خسارة رحيل صحفية أمريكية تعرف الحقيقة عن القضية الفلسطينية وأهلها المشردين . ولعل صحافيين أمريكيين غيرها يرددون أقوالها الصادقة دون الاضطرار للاعتذار . !