تواجه الصحافة الورقية أو “ التقليدية “، مشاكل متعددة وخطرا يحيق بها في زمن الاعلام أو وسائل الاتصال الحديثة سريعة التغير وغزيرة الانتاج وواسعة الانتشار . ولعل أهم هذه المشكلات هي “ المشكلات المالية “ التي سببها بشكل عام الأزمات الاقتصادية المحلية والعالمية التي تتأثر بها حياة الانسان ونوعية معيشته . ومن مشكلات الصحافة المكتوبة بشكل خاص التي تؤثر على بقائها، ارتفاع أسعار الورق والأحبار وانحسار الاعلانات التي عادة ما تشكل عصب أية صحيفة، إذْ أصبحت الاعلانات أكثر انتشارا بالطرق الالكترونية كالموبايل أو وسائل أخرى .بالاضافة فقد لوحظ أن نسبة قراءة الصحافة المكتوبة قد تأثرت سلبا من حيث الاقبال عليها وبخاصة بين صغار السن الذين نراهم “ مهووسين “بالجديد من التكنولوجيا الحديثة، وهاهم لا يرتاحون من الجلوس أمام وسائل الاتصال الاجتماعية لاستعمالها سلبا أو ايجابا . يقرأون ويصنعون الاخبار في كثير من الأحيان لتكون مضيعة للوقت للكثيرين وليصبحوا غير قارئين لا للجريدة ولا للكتاب “.
وللتذكير فقط كانت الصحافة المكتوبة الورقية عادة ترتبط بالمستوى التعليمي والثقافي ،. فقد تميزت في الماضي بمنزلة عالية في المجتمع حيث كان الأميون ينظرون الى قراء الجريدة باحترام لتميزهم بالقدرة على الحصول على المعلومات أو صنعها . ويصبحون بذلك “قادة رأي عام “. كان ملحوظا في المجتمعات الريفية حيث كان المتعلمون يقرأون الصحف في المقاهي بصوت عال لمن لا يقرأ ، وكان هذا واضحا في فلسطين مثلا زمن ثورة 1936- 1939 ضد الاستعمار الانجلو صهيوني . تغير المجتمع اليوم وقل عدد الاميين واتسع الاهتمام بالاخبار التي باتت تغطي كل ما يتعلق بالانسان من قريب وبعيد ، لتشمل “الخبر والتثقيف والتسلية “ أيضا . بالاضافة فأن هذه الأدوات سريعة الحركة قادرة على جمع ووضع المعلومات وتخزينها بفاعلية عالية . تطور ما يسمى “ بثورة وسائل الاعلام والاتصال لتصبح اليوم ثورة “ مستمرة سريعة “ ، يحاول الانسان الركض معها ووراءها من أجل العلم والمعرفة والخبر . وقد استعملت في “ثورات الربيع العربي “ التي نعيشها اليوم واتهمت بأنها من صنع وسائل الاعلام الحديثة التي ساهمت في حشد الجماهير في الميادين والساحات الغاضبة .
بالطبع لا بد من مواكبة التطورات وتأثيرات وسائل الاعلام الحديثة ، إلا أنها أيضا أثرت على الاعلام التقليدي الذي لايزال الفلاح في حقله بحاجة لصوت المذياع مثلا ، لا زال من يحب قراءة الكلمة التي تعتبر غذاء عينيه وعقله كل صباح وهو ينتظر الجريدة أمام الباب ليقرأها ويتلمسها بأصابعه وكأنه يسلم عليها . قراءة الجريدة الورقية لها قيمة ومنفعة للكثيرين وهي أيضا وثيقة تاريخية سهلة الوصول اليها للكثيرين البعيدين عن التكنولوجيا الحديثة، وهي اليوم في خطر . فهي صديقة القارئ المجتهد والمواظب و بغياب الصحف الورقية لا تفقد دورها التاريخي فقط ، بل أيضا تقطع رزق العامل في المطبعة والكاتب والمعلق وتغلق الباب في وجه الكثيرين الذين يعتبرون الجريدة بيتهم . ولعل ما يجري لبعض الصحف المحلية اليوم من اغلاق أو ضعف ، يعتبر نكسة للاعلام وإن وضعت الجريدة على الانترنت لتقرأ بشكل انتقائي وسريع وغير معمق . لم تسقط أهمية ما كانت تسمى “ بالسلطة الرابعة “ بعد وعلى السلطة الحكومية دعم الصحافة الورقية ،والأخذ بيدها ومساعدتها على البقاء لأنها لن تغيب قبل أن يفقد المجتمع و الفرد حريته ويصبح بعيدا عن الواقع والخيال . ولا أعتقد أن رحيل الصحافة الورقية ستغيب قبل 2040 .، والله يطوّل عمرها من أجل الاعلام نفسه ومن أجل العاملين فيها . !