أحسن خبر قرأته هذه الأيام أن “ رئيس وزراء النرويج يعمل سائق سيارة أجرة “. إذْ أراد المسؤول جس نبض الشارع ليعرف مرضه .
الشارع فعلا هو المكان الذي يعكس هموم الناس وتطلعاتها وهو أحسن مكان لمشاهدة ذلك وتحسس حرارة الناس .هذه المقدمة هي للتعبير عن مدى تفاعل المسؤول مع الشارع أي الناس الذين هم من لحم ودم وكما فعل رئيس وزراء النرويج. همومهم وإن اختلفت عن همومنا في الاردن فهي بلا شك مثلها أيضا . وقد أتت هذه الفكرة لنفسي مرارا وحلمت وأنا أجلس في المقعد الخلفي “ لسيارة الاجرة الصفراء مرارا “وأنا أقول “أخ لو أصبح مراقب سير يوما واحدا “ ؟ , إذ كثيرا ما أترك سيارتي باب الدار وأستعمل التاكسي المميز أو غير المميز لأذهب الى قاع المدينة أو أي مشوار في عز فوضى المرور في ساعات معينة . نبض الشارع كما يعرف المسؤول النرويجي هو الأهم في رسم سياسات البلد وفي كل المجالات وليس فقط عندما يستعد للانتخابات ليضع بعضها كشعارات .
في مثل هذه المشاوير أبدأ بالفرجة على داخل التاكسي فأتركه وانتظر غيره لأن “الجاعد “ الذي يغطي جلد الكرسي وسخ وله رائحة كريهة وخاصة في أيام الحر .وكذلك كثيرا ما أطلب من السائق أن يخفض صوت الراديو العالي والاغنيات تستفزني بشكل كبير , بعضهم “ يسمع كلامي “ والبعض الاخر لا يسمع لانه في حالة طرب قهري تبعده عن مشاكله ومشاكلي . أيضا , يقوم السائق بالتأكيد لي أنه ماهر وأنه “ قدها وقدود “ وهو يحاول أن يتحايل على زملائه من السيارات الصفراء ليثبت أنه أشطر منهم , إذْ يتلوى بين السيارات مرة يمينا ومرة يسارا . كما ينتابني نوع من الخوف المفرط عندما نصل أحد الدواوير “والكل يزاحم الكل “ . وأكثر عندما يحاول أن يسبق الشارة الحمراء أو البرتقالية . ولا تسل عن المعاناة التي يقحمك بها وهو يشتكي من ارتفاع الأسعار ويحاول أيضا أن “ يحلل “ سبب كل هذا . يشعرك سائق التاكسي أنك لست في رحلة قصيرة بل رحلة عمر وأنت تدفع له الأجرة الهزيلة التي يعتاش منها وبخاصة وسعر البنزين ليس له نبض في الشارع ولا غيره . وهنا أتمنى لو استعملت سيارتي لأتعذب بطريقتي وليس بطريقته .
مقارنة مع رحلة في تاكسي في بلاد أخرى , فقد كانت أجملها في السويد , إذْ السيارة بيضاء نظيفة . سائقها بهي الطلعة يلبس لباسا نظيفا “ يونيفورما “ ويلبس أيضا القفازات البيض ,وهو من طلاب الجامعة يعمل في أوقات الفراغ ليسهم بتعليم نفسه . يقفز أمامك ليفتح الباب ويفز أمامك ليغلق الباب , ولا راديو ولا غيرها , لا يتكلم الا إذا طلبت أنت منه ذلك رغم أنه “ الرّيس “ . كما وتجد إعلانا ملصقا على الزجاج يقول لك “ أرجو عدم دفع تيب “بقشيش” , وهذا يعني أنه مرتاح من الأجرة التي تدفع له وبالطبع ضمن القانون . هذا أحد الامثلة من بلاد الغرب ولكن ليس “نيويورك” إذْ فيها من الجشع ما يصل حد أن يشتمك إذا لم تدفع “ تيبا “ مجزيا . ومثال آخر من بلادنا , في (عمان – مسقط ) وليس عمّان الاردن , إذ ينقلك السائق العماني النظيف ويقوم بنفس العملية التي يقوم بها ابن السويد , بل أكثر من ذلك عندما يعترض مسؤول من دائرة السير لتعرف أنه يفتش على نظافة السيارة من الداخل , ويفسر السائق أن هذه الرائحة الطيبة التي سألت عنها ليست رائحة تركتها سيدة ركبت السيارة قبلك كما تعتقدين , بل هي عملية متواصلة لتنظيف السيارة ورشها بعد كل راكب . أصبحت مثل هذه الأمثلة لي قصصا أرويها في مثل هذه المناسبة .
هناك الكثير ليقال عن نبض الشارع ونبض الفرد والجماعة ونبض المسؤول وحتى إن لم يقم بقيادة سيارة أجرة بنفسه مثل المسؤول النرويجي الذي أتمنى لو أصادفه عندنا كسائق تاكسي لأشكو له وأقول له: الحمد لله على السلامة ..!