القبول في الجامعات الأردنية أو عدم القبول يعد اليوم من الأخبارالمهمة للكثير من المواطنين، فـ” التعليم العالي” أصبح الهاجس الأكبر للأهالي الذين يحرصون على تسليح أولادهم وبناتهم بالعلم من أجل عمل يضمن لهم حياة معيشية جيدة في المستقبل.
يأتي هذا بعد أن أصبح التعليم أفضل رأسمال للإنسان، وقد فتح الباب أمام هذه الحقيقة أسباب عدة , منها الحاجة الملحة للحاق بالعالم سريع التغير والجري وراء الجديد من العلم والمعرفة . بالإضافة لإبقاء وتيرة التعليم عالية بعد أن أصبح معدل “ الأمية “ في الاردن أقل من 8% وهو من أقل النسب في الدول العربية مع لبنان كما تشير الإحصاءات .
كان عام 1962 تاريخا مجيدا للأردن عندما تأسست “الجامعة الأردنية” برئاسة العلامة د. ناصر الدين الأسد لتكون الأولى والأعرق لتخرج الآلاف من الأردنيين والعرب وحتى الاجانب من كلياتها العشرين، ولتصبح من أفضل خمسين جامعة في العالم.
وكان تأسيس الأردنية بعد أن حرمنا -نحن جيل الخمسينيات وبداية الستينيات- من الدراسة داخل البلد وتوزع الكثيرون منا بين جامعات مصر و العراق وسوريا ولبنان والدول الأجنبية .
وأنت تقرأ إعلان وزير التعليم العالي د. أمين محمود عن قبول 48500 طالب في الجامعات الرسمية الأردنية الثماني، هذا بالطبع غير الذين قبلوا في الجامعات الاهلية التي يبلغ عددها 16 جامعة، تشعر بالسعادة من جهة إزاء الإقبال على التعليم العالي كما في الدول المتقدمة.
ويذكرنا هذا بعدد الذين قبلوا في الجامعة الاردنية وبشكل خاص في كلية الآداب الكلية الوحيدة آنذاك , وهو 167 طالبا بينهم 13 طالبة فقط . ومن جهة أخرى تشعر بالضيق حيث أن المعلومات تقول إن هناك أعدادا كبيرة لا يمكن للجامعات الرسمية استيعابها اليوم مثل تخصصات الطب والهندسة بأنواعها والتي أفرزت طلابا مجتهدين بل أذكياء لا تقل معدلاتهم عن 93,7% في امتحان “ التوجيهي الشهير “.
وقد أثار هذا التضخم في المعدلات العلمية نقاشات وشكوى من الناس إذ أن معدل المقبولين في الطب مثلا في الأردنية هو 98,6%. ولا أدري كيف يمكن الحصول عليه والحمد لله أنني لم أخض مثل هذه التجربة التي تسعد البعض وتحبط البعض الآخر ممن يرغبون بدراسة التخصصات التي هي بحاجة لمثل هذا النبوغ . إن قبول 580 طالب طب “ ممتازين “ في الجامعات الحكومية يبشر بمزيد من التقدم لإبقاء الطب حقلا نفاخر به .
هناك الكثيرون ممن حرموا من هذه التخصصات بسبب علامة أو أقل , ولعل الوزير أمين محمود الكفؤ والمؤهل بإدارة الجامعات والتعليم بشكل عام يجد حلولا لمثل هذه المعضلة التي اضطر بعض الناس أمامها لإرسال أبنائهم للدراسة في الخارج رغم عدم قدرتهم المادية . يواجه الاردن مشكلة اليوم ليس من قلة الإقبال على التعليم العالي , بل كما يبدو ارتقاعه ولا أرى في ارتفاعه ضررا إذا ما تمكنت الجهات المعنية من العمل بشكل متكامل لإبقاء هذا الاندفاع قويا ومفيدا .
ولعل سياسة توزيع القبول في الجامعات والتركيز على التخصصات التقنية التي نحن أيضا بحاجة لها يسهم بحل بعض المشاكل. ثورة التعليم العالي هذه ثورة نرحب بها رغم السلبيات في القبول أو الدراسة أو الحياة الاجتماعية مثل ظاهرة العنف في الجامعات التي بلا شك لها علاقة مع ما يجري في المجتمع بشكل عام من اجتماعية وسياسية واقتصادية.
ولعل المسؤول إذا ما منح المدة الكافية لمعالجة المشكلات فإنه سيعمل على الأخذ بالتعليم العالي الى مكانة تصل بنا الى مصاف الدول المميزة، ليس من حيث الكمية بل من حيث النوعية. ولا شك أن دعم الجامعات ماديا وتوفير المناخ المناسب لها ورفدها بالمؤهلين يسهم بشكل أساس بتعزيز التعليم العالي وإنجاح ثورته التي نشهدها اليوم.