كثرة الأخبار العربية وتقلباتها والمفاجات التي تجري كل يوم في السياسة المحلية والاقليمية والعالمية وارتباطاتها مع بعض تجعل الاعلام يتخبط في محتويات رسائله من حيث تأثيرها على الرأي العام . ويبدو هذا واضحا هذه الأيام في كسب للقارئ أو المستمع أو المشارك في صنع الخبر من أجل التأثير عليه . يأتي هذا ليس فقط كون “ الاعلام هو الوجه الاخر للسياسة “ بل للتغير السريع في السياسات الدولية في الأزمات كما هو الحال اليوم بعد أو أثناء الربيع العربي كما أصبحت الثورات الحالية تسمى ممن يصنعها أو يؤيدها أو ممن يسميها ب “ الفوضى “ وهم عادة أعداؤها .
في القرن العشرين كان الاعلام يقسم حسب النظم السياسية التي تمتلك وسائل الاعلام وكانت تقسم بين ما سمي بالليبرالية ( الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان ) , والاتوقراطية أو النظم الشمولية وقد التصقت ( بمنظومة الدول الاشتراكية منذ نشأتها حتى تفككها ) والمختلطة (العالم الثالث ) . وكان بالامكان معرفة مايسمى اليوم “ بخارطة الطريق “ ونسبها لصاحبها . كانت أمريكا أنذاك تدعي أنها سيدة الحرية والديمقراطية , بخاصة لسيطرتها على أدوات الاعلام كما على أفكارها . سيطرت شركاتها على الاقتصاد و الأسواق وعلى الاخبار وقد خلق ذلك تحيّزا وعدم توازن إعلامي وكان مع الاسف حتى المثقف من الاعلاميين العرب يقتبس الاخبار كما هي دون تنقيح أو قراءة مابين السطور . . هذه الحقيقة كانت ويبدو أنها ما زالت بالنسبة لتسلط الاعلام الغربي وتأثيره على مجريات الاحداث في العالم بما فيه الدول النامية التي تشكل 75% من سكان العالم ومنها الدول العربية .بدأ ذلك واضحا فيما يتعلق بتغطية الاخبار المتعلقة باسرائيل وسياستها الاستعمارية التوسعية ولا زال ذلك معمولا به رغم وسائل الاعلام العربية التي أصبحت بعض الدول الغنية تمتلك “ محطات عابرة للقارات” .
كان المواطن العربي يتطلع لوجودها لايصال صوته للعالم علّه يصلح “الصورة القبيحة “عن العرب والتي خلقها الغرب عن قصد وسبق إصرار . ولا يزال الاعلام في الغرب يركز يتحيز الى ما يناسب ويخدم مصالحه الانية والمستقبلية . فهو اليوم يتأرجح في مواقفه بالنسبة لما يجري في البلدان العربية من ثورات ورغبة في التغيير لمستقبل أفضل . التغيرات التي أحدثها الشارع العربي والمتسارعة كشفت عن حقائق أربكت أمريكا أولا التي أصبحت لا تعرف خرائط الطرق القصيرة والطويلة ولا نظريات الاعلام الجديدة وتأثيرها على الجماهير . .
وفي هذا السياق , وفي لجة الاخبار السياسية وتخبطها في سوريا والعراق وليبيا تونس واليمن , ومواصلة حرب اسرائيل المستمرة ضد الفلسطينيين ,يتخبط معه أيضا الاعلام العربي “غير المحايد “ وترتفع الأصوات الصادقة والكاذبة وتتلاقى مع الاعلام الغربي المضلل الذي يهدف لمزيد من الفوضى وعدم فهم الكثير مما يجري في المنطقة التي تستغل لصالح العدو . فالاعلام اليوم رغم كثرته وتنوعه من اعلام رسمي وحر من ورقي والكتروني وحتى الاجتماعي والفردي اصبح في جله ليس له هدف للتوجيه والاعلام الصحيح والجديد . اصبح الاعلام يمارس”نظريات جديدة أنيّة” أسوأ من الماضي للتأثير على الجماهير المنقسمة على نفسها . فالشعارات الانية فقط هي” الاستراتيجية”التي تستعملها وسائل الاعلام للتأثير على الشارع ,تحاول الهروب للماضي وليس المستقبل ما يبدو أنه يساهم في عدم استعمال الاعلام استعمالا صحيحا مما يفقد الناس حريتهم بدل دعوتهم للتمسك بها وفق استراتيجيات واضحة تنبئ بالمستقبل ولا تطمسه . الاعلام العربي بحاجة لوقفة قوية تصلح حاله المتدهور مع تدهور السياسات المنقسمة والضياع العربي الذي نعيشه . !