لا تبك يا شجر الزيتون في كل مكان على أشجار فلسطين التي يقتلعها العدو الصهيوني من الجذور لكيلا ينمو الشجر رمز السلام و يلد .. حبات المطر التي نزلت برفق على أعناق أشجار الزيتون بالأمس حسبتها دموعا , إلا أنها كانت بوادر الخير حيث أفرحت الفلاحين والمزارعين الذين ينتظرون المطر ليغسل عيون واذرع وجدائل الشجر قبل بدء موسم الاحتفال التاريخي بموسم قطف الزيتون .
يعد أهل فلسطين شجرة الزيتون “مقدسة “, يشعرون بالأمان وهم يزرعونها ويكبرونها ويعتاشون عليها . فهي “ أم المونة السنوية “ , وهي عصب الاقتصاد الفلسطيني على مر العصور . ويقدر عددها بما يزيد على عشرة ملايين شجرة .
ولعل هذا العدد الذي أخذ بالنقصان يوما بعد يوم , تشهد عليه أقدم شجرة زيتون في العا لم حيث يقدر عمرها بـ (5550 )عاما وهي مغروسة في الأرض الفلسطينية في تلال القدس الجنوبية في ( قرية الولجة ) .
و رغم قوتها وجذورها الممتدة لداخل الأرض فهي دوما خائفة لأنها مهددة من الاستيطان اليهودي الذي يلاحق الشجر والحجر والانسان .
وعرف أهل القدس شجرة الزيتون العريقة كبيرة السن المزروعة في أرض كنيسة الجثمانية , ويبلغ عمرها ألفي سنة , حيث كما جاء في القصص أن المسيح -عليه السلام- كان يأوي اليها مع تلامذته للراحة والنوم . وقد قضى آخر أيامه متعبدا في ظلها .
لا تبك يا شجر الزيتون ! فلن تموت الشجرة التي تطعم أهلها وتشفيهم وتقوي عظام أطفالهم ويمسحون بها وبالملح الوليد منذ أن يفتّح عيونه خارج رحم أمه . ولهذا أمنوا بها وقالوا و هم يرددون لليوم “ زرعوا فأكلنا , ونزرع فيكلون “ . كان الفلاحون الفلسطينيون قبل النكبة يشكلون الغالبية العظمى من السكان , إذ بلغت نسبتهم حوالي 60%حتى العام 1918 واعتمد أكثرية الناس على الزراعة .
أحب الفلاح الفلسطيني ارضه وزرعها وسقاها بالماء وعرق جبينه . عمل بيديه وروحه , كما عملت المرأة الفلسطينية معه جنبا لجنب لبناء الأرض والأولاد . كانت الأرض والبيت عامرة . أظهر الفلاح دوما كفاءة عالية وقدرة على زراعة ناجحة وعمت البلاد كروم العنب وأشجار البرتقال والليمون . إلا أن الفلاح أيضا لاقى معاناة وغدر السلطة الحاكمة البريطانية تحت الانتداب , فقد أثقل كاهل الفلاح بأنواع من الضرائب ( العشر والويكر و ضريبة الأغنام والسخرة والمعارف ) التي اوصلته لحالة من الفقر المدقع ما أضطر الكثيرون الى التخلص من الارض ز وتمكنت قلة من كبار الملاكين من تملك اراض واسعة ما افرز طبقة برجوازية منذ العهد العثماني . ومع ذلك فقد تميزت الحياة في القرية بالاكتفاء الاقتصادي نتيجة الاعتماد على الزراعة وعلى الايدي العاملة في العائلة الممتدة .
مثل هذه الأيام من مواسم الخير كان الفلاح الفلسطيني يحتفل بموسم قطف الزيتون . ويتجلى ذلك بالغناء وتقاسم الطعام و” العونة “ والمشاركة بالعمل وجني الثمار , أي الحياة والبناء والتنمية .
وترى إسرائيل أن الفلسطيني لم يتخل عن عاداته وتقاليده ومحبته لشجرة الزيتون . ولهذا السبب وأكثر ليسرق الأرض ليبني عليها المستعمرات القبيحة .
الاحتلال المتوحش يقطع رأس شجر الزيتون لعّل الفلاح الفلسطيني ينسى الارض والزراعة ومحبة الأرض، لكنه عبثا يفعل. حيث سيظل شجر الزيتون الأصيل يحرس التربة والذاكرة وإن حاولوا اقتلاع جذوره .. فلا تبك يا شجر الزيتون . سيأتي السلام يوما بعد العودة .. هذا ما يقوله أهل الأرض في أرضهم وفي الشتات !