يكاد الانسان الذي يرى في الطفولة جمال الحياة والمستقبل يسمع أنين أطفال فلسطين في سجون الاحتلال . أصواتهم فيها ضحك مخنوق وأحلام مؤجلة وحب للحياة مجبولة بلوعة فراق الأم والأب والحنين للعب في الحارة مع ابن الجيران ليطّير الطيارات الورقية المصنوعة من أوراق الجرائد المليئة بالاخبار عن فلسطين . . أصوات أنين أمراض أصابهتم جراء الخوف . عيونهم مفتوحة في الليل والنهار من الرعب الذي يلفهم خوفا من عصابات المخدرات والقتلة والمجرمين الذين وضعهم الجلاد معهم في زنزانة واحدة . فاسرائيل لا تعامل الطفل الفلسطيني كطفل و تتعامل مع الاطفال خارج نطاق القانون الدولي . في سجون إسرائيل( 2013 )321 5068 اسيرا منهم 195 طفلا و 13 أسيرة . نسمع أصوات الأطفال يستغيثون بنا لأنهم مشتاقون للحرية في هذه الأيام بالذات .. مشتاقون لملابس العيد وكعك العيد الذي تصنعه الامهات . مشتاقون للحياة والحب والسعادة المفقودة تحت إحتلال لئيم . ولعل بعض قصص المعاناة والشوق والحنين تقول اننا لن ننساكم وتذكّر من نسيكم ونسي الأسرى في سجون الاحتلال .. أنكم هناك تعانون …
1- رحلة ملونة للسماء
قال أولاد الحارة في بلاطة وطولكرم وجباليا والأمعري وجنين :
– هيا نلعب بالالوان ونرفع طائراتنا قريبا من قوس قزح .
طاروا بالفرح والأجلام . غنوا وركبوا المراجيح وركضوا في السماء المرصعة بالنجوم . قال حسن وسمير وعيسى ويعقوب :
-سأظل هنا بعيدا عن الدبابات التي تلاحقني للمدرسة وتحرق كتبي .
– سأرمي الحجر على الجلاد لأحمي زرع أمي .
– سأجمع الحنون والزعتر والزيتون بعيدا عن دخان خطف العيون .
– سأقطع ريح الحقد التي تسرق خبزنا وتطفئ نار الطابون .
– سأغني مع العصافير بعيدا عن الغراب الذي قتل الألحان ..
طل الأولاد من عل ورأوا الوان الأحمر القاني تنتشر في كل مكان . تحزروا قبل الوصول لباب الدار ماذا تكون :
– أهي حنون جنين , ثوب أختي , ورد عيد الحب أم خد حبيبتي الخجول ؟ . قال الجلاد :
– هذه رحلتنا على الارض “ رحلة الألوان “ . والاحمر وجع المخيمات القابضة على الجمر .
بكت النساء ولبسن الألوان , وعندما أدار العسكر ظهورهم سجل التاريخ اسم الرحلة “ بمجزرة المخيمات “ .
2- حب وقهر
لبست عبير فستانا أخضر مخمليا , له حزام ناعم تتوسطه فراشة . أعدته للزيارة التي تنتظرها من زمان . ظلت تقف كل يوم أمام المرّّّّّأة ترى نفسها بعيون الأب يوسف المحكوم أربعة مؤبد وتردد :
– مشتاقة لك يا أبي . ستحب فستاني الجديد . سأقبل يديك ووجهك الجميل وأنام في حضنك . كتبت لك شعرا في دفتر الحب .
تباهت أمام بنات الجيران :
– سألبس الفستان الأخضر والحذاء الجديد , وأقرأ شعر الحب . سأحمل مع أمي خبز الطابون والمقلوبة والزيتون .
قال السجان :
– القوانين لا تسمح لك تبادل دقات القلب , عمرك تسع سنين , تكلمي من وراء القضبان دون لمس وحنين .
– لا … لا . قالت عبير ومدت يدها للبعيد تحدق بعيون فارغة دون صوت يقرأ قصائد الحب .
صاح الزوار : عبير . عبير ..
بكى الأب السجين وراء القضبان ومد يده المخنوقة وقال : إحضنوها , قبلوا وجهها الزهري ّولا توسخوا فستانها المخمليّ.
– قالات الأم : ماتت ابنتي من قهر السجان ومن الحنين والحب الكبير .
نوحت بصوت حزين لم تسمعه عبير ولكن سمعته بنات الجيران .
( القصص من كتاب (عزوز يغني للحب : فصص فلسطينية من ألف قصة وقصة . – تأليف الكاتبة ص17 و37)