من بين كل العناوين المحلية في الصحافة، استوقفني عنوان: (الاردنية “تطلق مبادرة “ لويش مكشر” الطلابية) .وتأتي هذه المبادرة من عمادة شؤون الطلبة وشعبة الإرشاد النفسي والصحة النفسية في الجامعة.. ومن هذا العنوان يبدو لي أن رئيس الجامعة الذي أعلن عن انطلاق المبادرة، يبحث عن حلول لمشاكل “العنف “ التي ظهرت بين الطلاب في الجامعة في السنين القليلة الماضية. ولم تكن الأردنية وحدها التي واجهت ما سمي بظاهرة العنف في الجامعات بل في أكثر من واحدة نوقشت الظاهرة بتوسع من قبل المتخصصين في محاولات للوصول للحلول التي تؤمن الأمان النفسي بين الطلاب بدل الصراعات، وبخاصة ونحن في بداية السنة الدراسية. من بين الاستنتاجات، كأسباب للعنف الجامعي “العشائرية والاقليمية والوضع الاجتماعي والتحرش بالبنات وعدم تقبل الرأي الاخر.. “.
ليس فقط الطلاب هم المتهمين بالكشرة أي “ لا يضحكون للرغيف السخن” كما نقول بالعامية بل الشعب الأردني بمجمله بمن فيهم خفيفو الظل أيضا.. وفعلا تشكو وجوه الكثيرين من أزمة وزحمة في عضلات الوجه وجديتها. وقد يكون ذلك نتيجة ثقافة لها أساس ولها جذور، ولعل ما مر على المنطقة العربية من مآسٍ وآلام وقسوة المحتلين عبر العصور، بالاضافة لما يجري من حروب وأخبار الموت اليومي، سبب في ذلك.
ما تقوم به الجامعة الاردنية هو محاولة فيها “ ابداع “ لادخال البسمة والضحكة على محيا الطلاب أو بكلام آخر شطف الكشرة عن الوجه، والسؤال هل تستطيع ذلك؟
رغم حماسي للضحك والابتسامة والراحة النفسية وتفاؤلي بالحياة وما يستحق العيش من أجلها الا أن البسمة كثيرا ما ترحل عن وجهي لأسباب كثيرة كما الغير….أجد أن وراء الابتسامة كما الكشرة أسباب وتفاعلات. فكما هو معروف أن للضحك فوائد جمّة تعود على الانسان، فهي كما يرى علماء النفس تساعد على التعاون الاجتماعي وتنشئ العلاقات الانسانية والتفاعل والتواصل، بالاضافة أنها تعمل على مقاومة الاكتئاب والقلق والغضب، وهذا بالطبع يزيد ضربات القلب وافراز هرمون “الأدرينالين “ الذي يسبب الاسترخاء ويحرك عضلات الوجه أي الكشرة والفم المزموم ليسفر ذلك عن الابتسامة أو الضحك الذي ينطلق من الحلق وهذا يعني أنه يخلق الحب والسعادة..
يخيل اليّ احيانا وأنا أرى شخصا يبتسم وهو لوحده وتبرق عيناه بالسعادة فاقول لا بد أن يبتسم، لأنه أنجز عمله الكثير ونجح في صفقة تجارية رابحة أو وعد في منصب مهم، او أنه قبض المعاش.. أو لديه موعد مع من يحب.. أو لأنه يحلم بشراء سيارة جديدة مثلا لمن يستطيع ذلك. ويخيل أليّ وأنا أرى عابس الوجه أحيانا فأقول..الفقر “عاميه” والسبيل مسدودة أمامه لايجاد وظيفة ويشعر بالوحدة والعزلة ويفكر كيف سيحل مشاكله المعيشية والاجتماعية. ولعل هذا ما يشير الى أن الحالة الاجتماعية والمادية للانسان هي من أهم العوامل التي تؤثر على التصرفات الانسانية من هدوء وراحة الى عصبية وكشرة. وإذا ما سكنت الكشرة الوجه لتصبح ظاهرة مجتمع بكامله، فهذا يعني فعلا أن هناك مشكلة عامة سببها ايضا مشاكل عامة طال انتظار حلها دون نجاح.
ومن جهة أخرى، لعل ما نراه ونسمعه من قهقهات وضحكات لبعض الناس، تكاد تكون ضحكا “هستيريا “، فالكثيرون يضحكون من الالم ومن الفشل ومن السقوط وعدم تحقيق الامال، وليس هذا ما نريد من الدعوة للضحك وليس فقط للابتسامة.ليس فقط في الجامعة بل في المجتمع بدءا من العائلة التي عليها تشجيع الضحك لافراز” هرمون الحب” منذ الطفولة وحتى الشيخوخة. ففي المجتمع الأبويّ التقليدي كثير من البيوت تفتقد للضحك أمام رب العائلة.خوفا من القول :”المزاح أو الضحك يقلل القيمة. “
بادرة الجامعة الاردنية للضحك مفيدة الا أنها لن تعالج ظاهرة الكشرة لأنها ظاهرة ممتدة كالعائلة الممتدة. ولأن الحرم الجامعي كما يجب أن يكون عالما ينظر للمستقبل، فلا بد أن تعدل المناهج الدراسية لتضم مناهج المسرح والموسيقى والغناء والمشاركة الاجتماعية بين الجميع بشكل صحي والتي تخلق روح المحبة والتكامل. لندع الطلاب يلحنون الاغاني وينشدونها، لندعهم يبدعون بالتقليد والنقد، لندعهم يتنافسون بالابداع في فنون الضحك كما في أنحاء كثيرة في العالم. ولعل التلفزيون الاردني ينشئ برنامجا للمواهب يساهم في رفع المعنويات بالجد والمزح. وأقترح على الجامعة تسمية المبادرة بـ
( اضحك تضحك لك الدنيا ) بدل ( لويش مكشر ؟ ) نعم لنؤمن لهم ولعائلاتهم حياة معيشية مريحة تساعدهم على الضحك اليوم وفي المستقبل الذي يصنعون!