إذا ما أخذنا بالمفهوم المتعارف عليه في تعريف مصطلح “ الثقافة” والذي يعني بأنه “ كل ما أنتجه البشر من أفكار وتصورات وعادات ونظم اجتماعية وسياسية ومداولات اقتصاديه وفعاليات أدبية وفنية وتقانية عبر التاريخ “ , نكون بهذا نناقش مصطلح “ الحضارة “ الذي يكاد يتماهى معه . وأرى أن ذلك ليس بعيدا عن أهداف الندوات والحوارات التي تحاول أن تكون جديدة في عالم يسير للأمام بأدوات جديدة ومفاهيم مختلطة جديدة أيضا وإن كان البعض يرى أن بعضها يسحب للوراء أي أن هناك ثقافة ايجابية وأخرى سلبية . . وهذا ما نأمل أن نسمعه في الندوات التي تقام بشكل دائم مثل “مؤتمر فيلادلفيا الثقافي الثامن عشر” والذي لا أعرف عنه الكثير، ولكن للأمانة العلمية اقول، إن عنوان المؤتمر أوحى لي بهذه المقالة قبل أن يبدأ . الا أن مثل هذه النشاطات والندوات اشارة واضحة الى التفاعل الثقافي والتنموي بشكل متكامل .
كانت الثقافة في مجتمعاتنا العربية تنحصر بشريحة أو نخبة من المتعلمين والمثقفين والمفكرين وهم الذين يشكلون” العقل العربي” الذي يحمل التراث والتاريخ بكل أبعاده بما فيه من العلوم والابداع واللغة والقيم الاخلاقية والاجتماعية والسياسية المتفاعلة . الا أن التقافة التي تخص الغالبية من “ الشعب “ أو الثقافة الشعبية، كانت ولا تزال مهمشة ولا تحظى باهتمام “ المثقفين “ والدارسين . وقد يكون ذلك لأن النظرة للثقافة الشعبية كانت نظرة” دونية “ تعبر عن التخلف الحضاري أو كعامل ليس هاما في التنمية الانسانية المتكاملة . وقد نسي الكثيرون أن أهميتها تأتي من مكوناتها التي تتضمن الثقافة المادية الشعبية والمعارف والتصورات والعادات والتقاليد والموسيقى والرقص وغيرها من الثقافة الشعبية . وقبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن انتبه المثقفون والمخططون الى أهمية الثقافة الشعبية وبدأوا يتعاملون بها كأداة للتنمية الانسانية وبخاصة في مؤسسات الأمم المتحدة ومنها: برامج الأمم المتحدة للتنمية ومنظمة اليونسكو المعنية بالثقافة والعلوم .
ولعل هذا الاهتمام والتغيير باستعمال أدوات الثقافة والوصول للجماهير، هو ما طال مفهوم التنمية بشكل عام من تغيير وعلى المستوى العالمي الواسع . ففي بلداننا العربية، كان مفهوم “ التنمية “يلتصق بالتنمية الاجتماعية فقط ومساعدة الضعيف، بعيدا عن المحاور الأخرى من ثقافية وابداعية وعلمية وصحية وقضايا المرأة والطفولة وكل ما يتعلق بحياة الانسان . ولعل تغيير المفهوم ليصبح واسعا يضم كل ما يتعلق بالانسان ونموه وتطوره ومشاركته في صنع حياته الحرة والكريمة في جميع المراحل؛ ما يجعل مثل هذه الندوات والحوارات هامة ومفيدة للمخططين لوضع التصورات المستقبلية.
إن الاهتمام بـ “ ثقافة التنمية “لا تختلف عن تنمية الثقافة بالمفهوم الواسع الذي نريد، وهو ادماج الناس في عملية التنمية وصنعها . ولا يتأتى ذلك إلا في تثقيف الناس وتعليمهم ليصبحوا “مثقفين “.