عقل بلتاجي أمين العاصمة يفاجئنا بعمل شعبي هام يخص طبقة واسعة من المواطنين . سيستعمل الباص في تنقله يوميا من مكان إقامته في مرج الحمام الى وسط المدينة حيث مكتبه الرسمي . خبر أفرحني لعدة أسباب لأن للباص ذاكرة خاصة لي ولجيلي من الطلاب الذين استعملناه ليس فقط للمدرسة , بل أيضا في تنقلاتنا من والى المدينة . ولعل أجمل المحطات بالنسبة للكثيرين كان موقف الباص رقم 3 مقابل بناية البريد في شارع الأمير محمد الذي كان يسمى شارع وادي السير . كانت المجموعات تتزاحم وتتراكض من أجل اخذ مقعد مميز في الصفوف الأولى , والتمتع بالنظر للركاب من بنات وأولاد من خلال المرآة الكبيرة المثبتة أمام السائق . بالاضافة لاستعمال الطلاب القاطنين في الزرقاء الباص في رحلتهم اليومية لعمان للوصول الى موقف الباص المشهور , أمام محلات حداد وشعشاعة التي كانت ببضائعها تربطنا بأوروبا التي تستورد منها بضاعتها .
كان الباص وسيلة مواصلات عامة لأكثر الناس رغم تواضع مظهره , فعدد السيارات في الخمسينيات , لم تكن بهذه الكثافة التي أصبحت عالّة على الشارع والاعصاب , وأصبحت عمان تسمى” بكراج للسيارات “وخاصة في الصيف حيث يصبح الخروج من البيت مشكلة سواء أكنت أنت السائق أو” استعملت التاكسي “ . وفي بلاد العالم التي زرناها اوعشنا بها لفترة كان عدم امتلاك سيارة خاصة في نيو يورك أو روما أو باريس ,” نعمة “ لأنها توفر الراحة وعدم شد الاعصاب , في تلك المدن المزدحمة .وقد حلّ المسؤولون والمخططون مشكلة الاستغناء عن السيارة الخاصة , بتوفير شبكة متكاملة من وسائل المواصلات أو النقل . فالمترو والقطار , ووسائل النقل العام الباص التاكسي تعمل بشكل يريح الناس في استعمال ما تراه مناسبا لانها تعمل وفق “ مؤسسات “ منظمة تصل الى وجهات الناس في أوقات محددة وليس على مزاج السائق . وأتذكر حادثة في نيويورك عندما رفض سائق تاكسي نقلي للمكان الأبعد من قلب المدينة ’,داهمني مراقب السير” اللابد “في الشارع ليعرف السبب و ليلحق بالتاكسي لأنه رفض نقلي , وغرمه مائة دولار .
الزحمة ليست وحدها المشكلة عندنا , ولكن عدم وجود منظومة نقل عامة مناسبة ومتطورة تشجع الناس لاستعمالها وتفي بالغرض بأسلوب يريح الناس وبخاصة لمن ليس لديهم سيارات خاصة وهم الغالبية من الطبقة الوسطى والفقراء. تراهم يتزاحمون لركوب الحافلة مما يدل على عدم وجود حافلات كافية , بالاضافة للتزاحم للوصول في الوقت المناسب الى وجهتهم . لقد استعملت الباص مرة واحدة فقط في عمان قبل سنين ليست بعيدة , في تجربة لأسترجع “ ذاكرة الطفولة والشباب المبكر “. استقليت الحافلة من نقطة معينة وعدت لنفس الموقف ورأيت العجب . لم تكن الحافلة مبردة مما زادني تذمرا من الحر والزحمة بالاضافة لعدم النظافة وسوء التهوية . وقارنت ذلك مع استعمالي الحافلة بشكل دائم في نيويورك من أمام بيتي في مانهاتن ,, حيث كنت أعرف متى يصل للموقف بالدقيقة . بالاضافة للنظافة والتهوية والتبريد والتدفئة الصحية .
اهتمام أمين العاصمة بمحاولة حل مشاكل النقل أو” تطوير منظومة النقل العام “, بلا شك خطوة حضارية وضرورية وهو الذي يعرف ماذا يجري في العالم المتحضر . ولا أظنه يقوم بذلك لنفس السبب الذي قمت أنا به , ذلك لأنه المعني بالامر . بالاضافة فهو يقوم بتجارب عملية قبل عملية الاصلاح , كما يبدو . ولعله يأخذ موضوع تطوير مشاكل النقل العام مأخذ الجد, وعلى أوسع نطاق , بحيث يعمل على تنفيذ ما سمعناه عن وسائل المواصلات البديلة مثل المترو الخفيف والقطار وغير ذلك .ولعله لا يخيب ظننا بالعمل لتحقيق بعض الحلول التي طال انتظارها لتزيد من مشاكل الناس الذين يشكون من ارتفاع الأسعار في أكثر ضروريات الحياة من مأكل وملبس . ولا أظنه سيقوم بالتجربة فقط للتنزه , فالطرق كلها المؤدية لعمان وخارج عمان بحاجة لعمل جاد ومتواصل , وأظنه يفكر بذلك أو لعله يفكر أيضا بالقيام بالتجربة من الجهات الاخرى ….وأظنه سيفعل .!