يبدو أن هذا المثل القديم الذي يقول :” للجدران أذان “- وهو مثل اوروبي بالمناسبة .. وليس عربي – لا يزال فاعلا . وهو يحذر من البوح بما لا ينبغي البوح به , خشية أن يكون ثمة من يسترق السمع بشكل خفيّ أي يتجسس ويعرف المعلومات . وكما يبدو فللحيطان الخرساء الصامتة أذان تسمع . قيل المثل في القرن السابع عشر ولم تكن التكنولوجيا المتطورة موجودة كما اليوم ليصبح السلكي واللاسلكي” والمحمول “ الخاص وسيلة أكثر فائدة وفعالية لأنها تسمع وتحكي وتسجل وتنقل وتفضح المستور في ثوان. إنها تتكلم بصوت عال وليس كالجدران الصامتة .
اثنان من الامريكان اللذان كانا يعملان في حقل جمع المعلومات السرية ( ادوارد سنودن ) الذي كشف عن كم هائل من المعلومات السرية في وثائق “ ويكيليكس “ وزود الاعلام العالمي بمادة لقصص صحافية جادة ومثيرة للجدل . وقبله قام برادلي الذي سرب معلومات هامة فضح فيها أمريكا التي تتلاعب بمعاني الديمقراطية بعد اشتراكه في حرب العراق . هذان الاثنان فتحا الأعين على “أمريكا العظمى “ التي تتجسس على الاصدقاء والأعداء على حد سواء . ووفقا لمعلومات سنودن المنشورة أن هناك 35 دولة على قائمة الدول المشمولة بالتنصت , ومنها فرنسا والبرازيل واسبانيا وغيرها , ولا ننسى المانيا وبشكل خاص المستشارة الالمانية ميركل التي بدأت أمريكا بالتجسس عليها منذ عهد بوش وليومنا في عهد أوباما . ولا شك ان لذلك سببا وهو وصفها بأنها “ أقوى امرأة في العالم “ . وبالطبع لا تريد أمريكا أحدا أقوى منها سواء أكان رجلا أم امرأة . بالاضافة فالتجسس على بلداننا العربية , هي عملية مستمرة تساعد فيها اسرائيل الشريك المخلص لأمريكا من أجل مصالحهما المشتركة .
وفي عالمنا العربي كشفت كثير من أسرار المسؤولين من عسكريين ومدنيين حسبوا أن الجدران الصامتة لن تتفوه بها . الا أن المحمول والانترنت أصبحت أقوى الوسائل الاعلامية ووسائل الاتصال الجماهيري التي تستعمل علنا وتكشف المستور بالصوت والصورة . وكما نرى في بلدان الربيع العربي كيف تستعمل المقاطع من التسريبات من أجل اثارة الرأ ي العام على شخص أو تيار. وفي مجتمعاتنا العربية يكثر القيل والقال أو نقل الرسائل الشفهية في مواسم الانقلابات و الانتخابات أو تغيير الحكومات. ولعل أكثر ما يضحك عندما تنسج الاخبار وتحرف عن قصد وتسمع أحدهم يقول : “ سأخبرك بخبر بس خليي بيني وبينك “ .. لقد شاهدنا في الفترة الاخيرة مثل هذه التعليقات للنيل من الكبار الذين يثيرون حسدا وغيرة الضعفاء . ولعلهم لا يعرفون أن النظريات الاعلامية ووسائل الاتصال الجماهيري المتحيزة تظهر على السطح وتختفي مثل الفقاقيع الفارغة دون احداث أثر ورد فعلي ايجابي لصالحهم . تغيير الرأي من الايجابي للسلبي بالنسبة لشخص وبخاصة الذي له مصداقية لدى الناس , غير ممكنة الا عند الضعفاء الذين يخافون الاقوياء بالفعل . وأثبتت دراسات الاتصال أن قادة الرأي هم أكثر الناس قربا من وسائل الاعلام وأن الاعلام الشفهي من شخص لشخص له وللمحمول صوت وعيون أثر كبير في تغيير الآراء سلبا أو ايجابا وبخاصة عندما يكون الاعلام حاضرا ليوصل الرسائل والمعلومات المحبوسة .
وفي هذه الايام ينشط الاعلام بجميع أشكاله الموضوعي والمتحيز وكأنه موسم خاص “مشمشية “ الكل يبحث عن المعلومات التي يمكنه كتابة قصة يستقطب بها الناس . ولعل الاعلام في هذه المرحلة يستطيع ممارسة دوره المفترض باعلام نظيف في نقل أو ارسائل الرسائل التي ترشد الناس ولا تضللهم .!