مانديلا الزعيم الانساني العالمي لم يصبح زعيما على حين غرة كما بعض الزعماء في العالم . بدأ حياته النشطة “كزعيم “ عندما بدأ ناشطا شابا في الخمسينيات من القرن الماضي إذْ انتسب ( لحزب المؤتمر الوطني ) في زمن كانت بلاده – جنوب افريقيا – الغارقة في حركة النضال من أجل الحرية، تتفاعل فيها تناقضات كثيرة .ركز العمل مع شركاء يهدفون الى انهاء الفصل العنصري الذي كان عميقا في المجتمع شديد التعقيد بالأمراض الاجتماعية والسياسية، وبرز كزعيم يؤمن بالعدالة والتعايش مع المؤمنين بقومية بلدهم وهويتها وحقهم بحياة حرة تساعد على العبور الى المستقبل، وكما كانت دول العالم الثالث تطالب به وكان فيدل كاسترو نموذجا بالنسبة له .
مبادئه من أجل مستقبل أفضل وشراكة بين السود والبيض ظلت هاجسه وهو في السجن منذ 1962 يقطّع الحجارة التي لم تضعفه ولم تقطّع أحلامه . ظل مانديلا زعيما صلبا داخل السجن لمدة 27 عاما . تواصل حزبه بالعمل؛ ما جعل رسالة مانديلا السجين تصل للرأي العام العالمي بكل ألوانه لتصبح الرسالة واضحة أن حزب المؤتمر الوطني الافريقي يؤمن “ بالتعددية “ التي أصبحت وكأنها “ أيدولوجية “ ملازمة أو أساس لنضاله أو”رمز “ اتبعه ليبرهن على صدق أعماله .
وسار في هذا الطريق بعد عودته للحياة السياسية 1990 وكان يؤكد للعالم أو لمستعمر بلاده، بأنه يناضل من أجل القضايا المتعلقة بحقوق الانسان والتي تشمل : التنمية وحقوق المرأة والسلام ورفض العنف وتأكيد رفض ما يهدد السلم العالمي . بهذا الاسلوب من العمل السياسي تمكن من ايصال رسالة للعالم الغربي الذي “ اطمأن “ أن افريقيا لن” تضيع من بين ايديهم “. وبهذا تمكن من الوصول ببلاده الى القبول بالسود، وبه كزعيم مناضل مع شعبه للاعتراف بشرعيته وشرعية تقاسم السلطة بعد انتهاء الفصل العنصري الذي كان عائقا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا امام جنوب افريقيا .
مانديلا كان زعيما تأثر وأثر بالعلم وقضاياه المعقدة، في مراحل تاريخية كانت ثورات التحرر الوطني هي الهم الأكبر للبلدان المستعمرة سياسيا واقتصاديا والمقموعة انسانيا . لعد عمل من أجل الأيام القادمة أيضا . فكما نرى لا زالت الدول التي تناضل من أجل التحرر من الفقر والمرض وتعسف السلطات والمشاكل المتواصلة ضد حقوق الانسان حية وقوية . لقد بكى العالم منديلا لأنه كان وسيظل رمزا للانسان الصلب الذي سار في طريق نظيف حتى النهاية ولم يضعف . ولهذا كله أحب الافريقيون السود والبيض في النهاية مانديلا الزعيم الانسان الذي استطاع أن يسامح جلاده . أحبه العالم أجمع بمن فيهم العرب الذين يقدرون رموز النضال الوطني والتحرر من الظلم واحياء المشاعر الانسانية أينما كانوا. لقد حيّا مانديلا نضال الجزائر وفلسطين من أجل الحرية والاستقلال والحياة الأفضل .
وفي المحصلة، فالزعيم هو الانسان الذي يستطيع أن يأخذ بيد شعبه ويعمل معه لايصاله الى بر الامان حيث يمكن للانسان أن يحلم ويحقق الحلم أو يمهد الطريق للسير للأمام . ولعل أفكاره وتاريخه النضالي الذي أصبح جزءا من الأمثلة الانسانية العالمية تظل نبراسا لجنوب افريقيا بلده الذي يبكيه؛ لأنه لا يزال ايضا بحاجة لزعيم مثله يحافظ على المكتسبات ويضيف اليها حلولا للمعضلات الكثيرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعيشها الفقراء في افريقيا الغنية الفقيرة بنفس الوقت !.