لا يستغرب المراقب وهو يتابع أخبار القضية الفلسطينية، وما تقوم به إسرائيل من قبول أو رفض بعد كل زيارة يقوم بها كيري إلى فلسطين أو قول لأوباما . كيري الذي صرّح بعد آخر زيارة لإسرائيل بدى واثقا، بل مقتنعا بما يقول.
حيث أكد كيري أن “ الحل الأمني “ مركزي وموضوعي بالنسبة لإسرائيل، وكما يرى ذلك نتنياهو أيضا بعناد مقصود . يرى كيري أن موضوع الأمن يمكّن نتنياهو من التقدم في موضوعات أخرى في المفاوضات مع الفلسطينيين . يقول ذلك وهو على علم بخفايا سياسة نتنياهو المخادعة .
“ والأمن” هنا يعني أنه يجب على الفلسطينيين القبول بما تقترحه أمريكا وإسرائيل “ بدولة فلسطينية منزوعة السلاح “، وما يزيد الطين بلة في هذا الاقتراح الغبيّ أن أمريكا -بشهامتها المعهودة بالوقوف مع إسرائيل- ستشرف على تجريد الدولة بواسطة طلعات الطائرات دون طيار من أجل التصوير. وكأن أمريكا اليوم لا تقوم بذلك وهي المعششة في المنطقة بطائراتها وجواسيسها ورقابتها المتعددة الأنواع .
وما يفضح الخطة الأمريكية المتحيزة للاحتلال وهي ترى ضرورة بقاء الاحتلا ل الإسرائيلي جاثما على طول نهر الأردن بحجة الأمن . وتبرر ذلك بأنه سيخف بعد فترة من الزمن تتراوح بين ثلاث الى أربع سنوات.
والغريب أيضا أن أوباما الذي يدّعي اهتمامه بحل القضية الفلسطينية على أساس “ الدولتين “ يعيد ويزيد وهو يتجاهل مطالب الفلسطينيين بالاستقلا ل التام وحل قضايا الوضع النهائي بحسب الاتفاقيات الشرعية الدولية، ولا ترى إسرائيل ولا امريكا أنها تعرقل عملية الحل وهي تتجاهل قضية القدس والأسرى وقضايا الحل النهائي الاخرى من حدود وماء وغيرها والتي أكل الدهر عليها وشرب، ويبدو أنهم أسقطوها من الحسبان . ولا غرابة في ذلك وإسرائيل تبرهن على ذلك وهي اليوم تتراجع عن إطلاق سراح الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين .
رفض الفلسطينيون هذه الخطة، و بالطبع يجب أن يرفضوا كما فعلوا بكشف هذا الهراء في خطط إسرائيل وحليفتها أمريكا المتحيزة لإبقاء الاحتلال وإن كان بالقول غير المباشر . وبمبررات تستهين بعقل الفلسطينيين وقدرتهم على التفاوض. تريدهم أن يعودوا الى المفاوضات ليضيّعوا الوقت لعشرين سنة قادمة كما فعلوا في العشرين الماضية في مفاوضات عبثية .
إن المأزق الفلسطيني الذي يتفاعل اليوم ما زال قويا . ولعل أهم الأسباب هو الصراع في الفكر والعمل بين خيارات المقاومة أو التسوية، والتي تشتت الجهود وتسمح للمشروع الوطني ألا يحقق أهدافه بشكل ثابت لإعادة الأرض والحق الفلسطيني للشعب الذي لا يزال يتلمس طريقه تحت احتلال لئيم واستعمار جديد.
ولا أعتقد أن حل القضية يجب أن يأخذ أمثلة من تجارب الغير، كون القضية الفلسطينية لها خصوصية، ويكفي أن نعرف أن أكثرية الشعب الفلسطيني قد اقتلع من ارضه التاريخية والجغرافية ليستبدل بقطعان غريبة تبني المستوطنات وتحرق شجر الزيتون وتقتل النساء والاطفال .
إن من حق المفاوض الفلسطيني أن يظل متمسكا بمبادئه ومصمما على تطبيق الشرعية الدولية ورفض بقاء أي جندي إسرائيلي أو أمريكي على الأرض العربية الفلسطينية سواء أكانت على طول النهر أو أي مكان .
الإصرار على الموقف وعدم التراجع بضغط من أمريكا أو غيرها هو الطريق السليم . ويكفي أن يعرف العالم أن الفلسطينيين قد قبلوا بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 , ولن يتراجعوا أكثر من ذلك، ولن يقبلوا بتحقيق حلم إسرائيل والصهيونية بأن تكون فلسطين لهم و القدس عاصمتهم الأبدية، ولعل مثل هذه الخطط الاستعمارية أكبر دليل على أطماعهم غير الشرعية .!