دخلت “ الثلجة “ الأخيرة التاريخ كونها كانت شديدة وعميقة وطويلة رفعت شكوى الناس أضعاف شكواهم المستمرة والتي أصبحت جزءا من النمط الحياتي في الأردن . وتأتي الشكوى، كما تدل دردشات الناس في المجالس أو التعبير عن المشاكل والمطالبة بالحلول في الشارع .
ولعل أبرز المشاكل قبل الثلجة كانت ارتفاع اسعار المواد الغذائية وارتفاع ثمن المحروقات والشكوى من قلة المياه وارتفاع ثمن الكهرباء بشكل خاص . وسبقت الشكوى كنوع من التحذير من الشارع بعدم المساس بالخبز، مادة الغذاء الأهم والرئيس للفقراء وغير الفقرا ء؛ ما جعل الناس يتزاحمون على المخابز لتخزين الأرطال من الخبز خوفا من الجوع في أيام الثلجة التي ستصبح من أشهر الثلجات التاريخية التي سجلت كتواريخ شفهية للعجائز لتأريخ بعض الأحداث كالولادة وغيرها . أثناء الحبس الاجباري في المنازل أيام الثلجة، زادت الشكوى بشكل كبير وكانت الأصوات المرفوعة من خلال الراديو الذي تصدر وسائل الاتصال، الشكوى ثم الشكوى، من انقطاع التيار الكهربائي ومن قلة وجود الغاز الكافي للتدفئة وعدم الامكان توصيلها بسبب كثافة الثلوج التي اقفلت الشوارع قبل أن يقوم الجيش بالمساعدة؛ ما زاد الطين بلّة أن الأليات لم تتمكن من فتح الممرات في أماكن كثيرة في الجنوب . كما اقفلت بشكل كلي الطرق المؤدية لمنطقة عجلون وعزلتها . وكنت متعاطفة مع النداءات والشكوى مع كل الشاكين وبخاصة “ “ والتعاطف ازداد وأنا أرى هذا الدب الأبيض يهاجم معسكرات اللاجئين السوريين الذين يرتجفون بردا والعالم يتفرج على الطبيعة تضربهم بقسوة بعنف أقوى من قسوة الأهل . يزداد الالم والتعاطف وأهل غزة يسبحون في بحر نبع في الشوارع على حين غفلة نتيجة قسوة الطبيعة وضعف البنى التحتية من جراء الحصار الإسرائيلي على القطاع منذ حوالي ثماني سنين . تعاطفت مثل غيري مع المتضررين من الثلجة ولم أتمكن شخصيا من عمل شيء يخفف الضرر والشكوى عنهم . شكوت من الحال كما غيري وقلت لا حول ولا قوة الا بالله .!الثلجة كانت متوقعة والبعض استعد لها . ولكن الشكوى استمرت، هذه المرة من الناس “الزهقانين “ .” والزهق “ أيضا يعدّ من الصفات المتأصلة بالناس في الأيام المشمسة أو الماطرة، فكيف بأيام هذه الثلجة؟! التي أجبرت الأباء الذين لا يعرفون شيئا كثيرا عن كيفية التعامل مع هذا الحشد من الأولاد والبنات في البيت مرة واحدة وليس بالتقسيط كما الأم التي تتقن العمل كونها تلازمهم في البيت اثناء وجود الاب في العمل . مشكلة كيفية قتل الوقت، أو تمضية الوقت الذي يعدّ ضائعا هنا هو مشكلة الأكثرية . ولعل عدم التسلح بالهوايات الجمعية والمطالعة والمهارات في استغلال الوقت هي مشكلة بحد ذاتها للكثيرين . ومن دون شك لقد استثمر أو قتل الكثيرون الوقت باستعمال النقال والتسلية بالتواصل الاجتماعي المفيد أو غير المفيد .
هذه الثلجة سجلت رحيل مانديلا المناضل العالمي الذي تمكن من جمع محبة واحترام العالم . تسمر الكثيرون من أمام اجهزة التلفزيون عندما كان نزول الثلج يسمح للأطباق أن تكون واضحة . كان هذا الحدث الكبير؛ ما جعل المحظوظين من التعلم أكثر عن معاني كثيرة للكبار والانسانية وأن معنى الخلود عظيم لأنه لا يخلد فردا بل قيّما تسهم في سعادة الإنسان أينما كان .
بالنسبة لي، تفاعلت مع الثلجة بشكل كامل وأنا اسمع شكوى الناس . والحمد لله لم تكن شكواي كبيرة لأني مستعدة لهجمة الأبيض الجميل . الشكوى فقط أنني لم أستطع النزول للعب بالثلج مثل الشباب المغامر وكما فعلت في الستينيات في ثلجة أقل حدة من هذه . اجتمع جميع شباب وشابات الحارة في جبل عمان في ساحة فندق الاردن الذي كان جديدا وضربنا بعضنا بالثلج الذي لا يزال في ذاكرة الشباب للآن عن أيام جميلة أيام زمان . !
في هذه الثلجة قرأت ثلاثة كتب وقمت بكتابة 15 صفحة من بحث أعده، وشربت 4 زجاجات ماء و4 زجاجات عصير فواكه …… أكلت نصف كيلو خبز، وطبخت شوربة عدس، كما طبخت ملوخية وأرز، وتحليت على “ الهيطلية “.تكلمت بالتليفون مرارا ورددت على التليفون أكثر من خمسين مرة . مشيت في البيت أكثر من 60 كلم . النتيجة زاد وزني كيلو ونصف الكيلو في هذه الثلجة . ولذلك أضيف الى شكوى الناس شكواي . وكل عام وأنتم بخير …!