اليوم رأس السنة الميلادية الجديدة .. كل عام وأنتم بخير . كثير من الناس يرسمون خرائط الطريق لهذه السنة 2014 .
الكثيرون متفائلون وآخرون متشائمون .. التنبؤ عادة ليست جديدة وهي متبعة في جميع أنحاء العا لم , سواء جاء التنبؤ عن “ إيمان أو علم أو خزعبلات “ بالنسبة للقضايا الشخصية و القضايا العامة المرتبطة بها.
يرجع المنجمون تنبؤاتهم للأبراج ورموزها من : “حمل الى ثور الى جوزاء أو الى الأسد أو الميزان أو القوس “ وبقية الاثني عشر برجا و يدّعي المنجمون أن هذه التنبؤات علم، وآمن بالتنجيم كثير من الشخصيات السياسية في أوروبا مثل متيران , و في أمريكا مثل ريجن وهنالك الكثيرون الذين يضعون كتب المنجمين تحت وسائدهم .
سارع المنجمون – الذين يزداد عددهم كل سنة – لتوزيع كتبهم “ المتخصصة بالأبراج والحظ والبخت “ على أعتاب السنة الجديدة . حيث سرد كتاب “الحظ” ما سيحصل لكل شخص على طول السنة المقبلة يوما بيوم، لذلك يأتي الكتاب ضخما وعليه صورة المؤلفة أو المؤلف .. تنقل الجرائد ما جاء في هذه التنبؤات لتكون “جريدة أمس “ الأكثر انتشارا لأن فيها تنبؤا عن “ حظ السنة بكاملها مع إبقاء أعمدة الحظ اليومية محتفظة بأهميتها للقراء .
وللعلم ثمن كتاب المنجمين السنوي يبلغ 19 دينارا يشتريه الكثيرون عن “طيب خاطر “ ليصبح رفيقه يوميا طوال العام . مع العلم أن أكثر الناس يقرأون أقل من كتاب ثقافي في السنة مع ملاحظة أن النساء يحرصن على شراء مثل هذه الكتب أكثر من الرجال – والله أعلم –
كانت جارتنا “أم محمد” أيام زمان – كما ذكرت في كتابي بنات عمان أيام زمان – تتنبأ لنا بـ” البخت” ونحن في المدرسة مقابل خمسة قروش , وكنا نقتطعها من مصروفنا , وكانت أحيانا تتنبأ لنا بـ” الحظ “ مجانا .
كنا صغارا نقلق على علامات الدروس و نبحث عن صدق مشاعر” المعجب الخفيّ “ أو خطيب المستقبل لتطمئن قلوبنا، وكان “الحظ” يسعدنا إذا كان هناك “ أمل “يساعدنا على التفاؤل والمضي في الحياة بحماسة . هذه الظاهرة كانت و -ما زالت- متفشية بين المثقفين وغير المثقفين , بل تزداد بين غير المثقفين والدراويش الذين يجعلونها مهنة لهم، وهم يحملون المسابح الي توحي بالجدية ..تغيرت أدوات قراءة “الحظ” لتصبح كتبا ضخمة غالية الثمن يقتطعها بعض الناس من مصروف العائلة على حساب أولويات أهم .
ظاهرة قراءة المستقبل في أيامنا هذه تزداد بازدياد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تطال الجمع وتؤثر بالفرد و” حظوظه “ بل تزداد بين الطموحين من الناس الذين يحلمون بالمراكز السياسية والاجتماعية والاقتصادية خوفا على المكاسب التي يتمتعون بها ولذلك يحرصون على الاطمئنان على مستقبلهم . وكما هو معروف هناك علم “استشراف المستقبل “, ليس مباشرة ككتب المنجمين , بل ما يتوقعه المختصون بالعلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلوم البيئة وعلوم الطاقة وعلوم الذرة وغيرها .. عالمنا العربي اليوم قلق يبحث عمن يقول له أو” يتنبأ “ له بأن الربيع العربي سينجح , ونحن بحاجة لمن يتنبأ لنا عما ترسمه إسرائيل من خرائط لتوسيع مستعمراتها على حساب الفلسطينيين , بل المنطقة بحالها , وهي تستعد لضم غور الأردن اليها وتبني جدارا عنصريا . نحن بحاجة للتنبؤ عن المدة التي سيمضيها الأسرى الأربعة آلاف الذين لا يزالون في سجون الاحتلال المقيتة . نحن بحاجة لمن يطمئن الآباء والأجداد أن أحفادهم سيعودون لفلسطين وأن قرارات الأمم المتحدة ستطبق.
وعلى المستوى المحلي نحن بحاجة لقراءة الطالع لنعرف اذا ما كانت الحكومة مصرة على رفع ثمن الكهرباء والمحروقات التي أثقلت كاهل الناس . وهل ستزول مشاكل العنف في الجامعات , وهل ستصبح لدينا عدالة اجتماعية بالمفهوم الصحيح الذي سيؤمن حياة أكثر انسانية للجميع ؟
أنا شخصيا أقرأ حظي كل يوم في الجريدة، وعندما أجده إيجابيا أقول هذا صحيح وأتحمس ذلك اليوم . أما اذا كان الكلام سلبيا فأقول: “ حكي فاضيي “وأترك الكلام . ولكنني أعود فأقول “ صدق المنجمون ولو كذبوا “ . ولكم أقول: حظا سعيدا وكل عام وأنتم بخير . !