ما من أحد ولد في لفتا او نما وترعرع فيها الا ويتوق الى زيارتها بعد هجرة و غياب طويل. ولفتا وان كانت تعتبر قرية، هي بلدة واسعه كبيرة، واسعه كبيرة في مساحتها، وواسعة كبيرة في ابنائها، وواسعة كبيرة في تاريخها. ومنها لفتا التحتا ومنها لفتا الفوقا التي تمتد اراضيها الى سور القدس القديمة.
وقد صدر مؤخرا كتاب جامع واسع للدكتورة عايدة النجار بعنوان “لفتا يا أصيله” (’خرّيفيّة قرية). والكاتبة هي من بنات لفتا وقد ولدت ونشأت فيها. وكأني بها تمسك بيد القارئ، والقراء كثر، لتدله على لفتا بتاريخها وحضارتها ومكانتها وحاراتها وحمايلها ومزارعها وبيوتها. ذلك ان الكاتبة لم تترك جانبا من جوانب الحياة في لفتا الا وتطرقت اليه برحابة وسعة ومعرفة.
ولعل من أهم ما تحدثت عنه تاريخ لفتا. فقد أوضحت في الفصل الثاني وعنوانه “أسم ومكان عريق في التاريخ” ان لفتا مرت بحقب تاريخية موغلة في القدم وهي الرومانية والبيزنطية والاسلامية و الصليبية والعثمانية الى الانتداب البريطاني. وذكرت الحقيقة التاريخية وهي ان لفتا وجدت منذ زمن الكنعانيين. وقالت سميت القرية “نفتوح” باللغة الكنعانية، وهي كلمة تعني “الفتح” او المدخل.
و ذكرت ان لفتا الواقعه الان تحت الاحتلال الاسرائيلي قد تعرضت الى عملية تهويد الارض والتراث، وطمس جذور الارض والانسان الفلسطيني وهويته. وقالت ان اسرائيل غيرت اسم لفتا الى اسم عبري هو “مي نفتوح”
وتضمن كتاب لفتا يا اصيله وصفا شاملا ودقيقا لاحياء لفتا واراضيها الواسعة وسكانها وحمائلها. وتحدثت عن لفتا التحتا ولفتا الفوقا، وعن مبانيها الكبيرة العالية الانيقة. والمعروف أن لفتا تحتل موقعا استراتيجيا في منطقة مرتفعة في المدخل الغربي لمدينة القدس، وفيها يمر جميع القادمين الى القدس من الساحل او الخارجون منها. وتقول المؤلفة ان لفتا توصف بالقرية الجميلة لما لطبيعتها من خصوصية مستمدة من موقعها وتضاريسها المتنوعة من جبال وتلال ووديان تحرص على ان تظل خضراء. ويتحيز أهلها لهذا الجمال بغرور محبب، ويصفونها بالجميلة والشلبية والمزيونة والاصيلة”.
الى جانب الموقع و التاريخ والتراث والتقاليد واللباس والاعراس ومختلف العائلات والتعليم والاحتفالات، تحدثت الكاتبة عن النشاط السياسي لأهل لفتا، وعن وعيهم السياسي ورفضهم لوعد بلفور، وعن مشاركتهم في الثورة الفلسطينية من عام 1936 الى عام 1939 . بل ولقد شملت في كتابها الكثير عن انشطة الفلسطينيين في الكفاح من اجل استقلال بلدهم، وأوردت بعض ما صدر عن ادبائهم وشعرائهم اثناء الكفاح. وقالت ان الكثيرين من ابناء لفتا، شأنهم شأن الكثيرين من ابناء شعب فلسطين كانوا يرددون شعر عبد الرحيم محمود:
سأحمل روحي على راحتي والقي بها في مهاوي الردى
فاما حياة تسر الصديق واما ممات يغيظ العدى
وقالت ان الاطفال والشبان كانو ينشدون الاناشيد العامية التي تمجد الثوار:
صهيوني دبّر حالك نفدو الثوار فيهم فوزي القاوقجي بطل الابطال
ولا شك في ان الكاتبة لفتاوية اصيلة، وحنينها الى لفتا يبدو جليا في تطرقها الى شتى النواحي والمواضيع. ومما قالته “أهدت الطبيعة الجميلة لفتا ربيعا مطرزا بالازهار والورود بكل الالوان، وكأنها تخص المكان بطلة بهية”.
وذكرت الكاتبة ان المرأة اللفتاوية حافظت على ثوبها التقليدي التراثي. وقالت “ان المرأة اللفتاوية قد اتقنت صنع الجمال ونقلته من الطبيعة الى لباسها سواء باللون او الزخارف او الازهار”. وذكرت انواع الاثواب التي منها الملك والغاباني والشقفة وابو قطبة. اما عن السكان فقد ورد في الكتاب ذكر مفصل لعدد الحمايل والعائلات. وحمايل لفتا خمس هي حمولة العيده وحمولة سعد وحمولة مقبل وحمولة غبن وحموله الصفران. وقد تفرع من هذه الحمايل 118 عائلة و فخذا. ولكل حمولة مختار.
وباختصار فان كتاب لفتا يا اصيلة لم يترك أمرا يتعلق بقرية لفتا الا و أورده بتفصيل.
وقد جاء الكتاب في اوانه، اذ ان لفتا تستحق كل ما يعيد ذكر تاريخها و اهميتها.