حينما شاهدت أطفال مخيم الدهيشة الذين استقبلوك في مركز” الفينيق” الذي ضم أطفالا من مخيمات فلسطينية متعددة، ظهروا كأنهم يتوقعون ببراءتهم وأرواحهم الوطنية الحيّة، سماع قصة “ العنقاء “، أو” الفينيق “، التي قرأوا عنها في قصص السندباد وقصص ألف ليلة وليلة ، خاصة أن أصل الأسطورة مرتبط بأرض كنعان، رأيناهم سعداء وهم يغنّون لـ”البابا” بأنغام وكلمات حزينة “ عليك مني سلام يا أرض أجدادي “ وبدموع الألم والأمل.
في عيونهم رأينا الأمل بأنك ستداوي جراحهم، كما الفينيق الذي يمثل السلام والمحبة . اعتقدوا أن آلامهم العميقة بسبب مولدهم في المخيم، بعيدا عن أرض الأجداد ستخف وستبرأ جراحهم بعد أن ترحل وتترك رائحتك الطيبة وحكمتك وشعورك الإنساني ‘ بعد أن قلت لهم : “ وصلت الرسالة، وأنا معكم “ .
انهالت الرسائل عليك من الأولاد والبنات والعائلات التي قابلتك كرمز روحي عالمي خاصة أنك عُرفت بتحيزك للمظلومين والفقراء و تدعو للعدالة والمساواة والمحبة، التي تبدو بعيدة المنال بالنسبة لأطفال فلسطين تحت الاحتلال منذ العام 1948 . وقد ذاقوا العذاب الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم الذين لم ينسوا أشجار الزيتون في “الحاكورة” التي تجرفها إسرائيل، على أمل طمس الذاكرة بحقهم بالعودة . فهذا الجمع الرمزي من أطفال المخيمات الفلسطينية المعذَّبة، تعيش أبشع محاولات للتطهير العنصري في التاريخ . فالاحتلال الإسرائيلي لم يراع يوما حقوق الأطفال ولا الشرائع السماوية ولا القوانين الدولية التي آلت على نفسها تطبيق “ اتفاقية حقوق الطفل “ التي وضعتها الشعوب المنتمية الى الأمم المتحدة العام (1990 ) في الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه.
اتفاقية حقوق الطفل تؤكد، على حقه في الصحة، والغذاء، وأسرة مستقرة، وتعليم، وحماية في مناطق النزاعات المسلحة، وحقهم في بيئة نظيفة، ومجتمع ليس فيه وطأة الفقر والعوز .
أطفال فلسطين محرومون من كل هذه الحقوق المهمة للجسم والعقل ومن حياة كريمة . أكثر الاطفال الذين أحبوك وغنَّوا لك وعيونك تدمع، هم أبناء الشهداء والأيتام، والأسرى في سجون المحتل . كثير منهم ينتظرون خروج آبائهم الذين لا يعرفونهم،. وزيارتك المرحب بها تتزامن اليوم مع اضراب أكثر من 30 سجينا اداريا عن الطعام وهم يعانون، ومع ذلك ما زالت إسرائيل ترفض الإفراج عنهم أو تقديم العناية الصحية اللازمة لهم. هؤلا ء الأطفال يُمنعون من زيارة آبائهم، ليحملوا لهم “الماء والملح “، علّهم لا يموتون .
وقد رأيت بعينيك الحانيتين، ما يعني الجدار الذي وقفت أمامه في بيت لحم، فجأة، لترى سياسة الفصل العنصري والحرمان من الحرية والهواء والأحلام، وربما وقفت لتصلي للفلسطينيين لكي يستجيب الله دعاءك للتخلص من المستعمِر الذي نال من الفلسطينيين منذ القرن الماضي . وربما صليت لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الحرة على أرضهم وعاصمتها القدس . أطفال فلسطين من المسيحيين والمسلمين لا يستطيعون الصلاة في مساجدهم و كنائسهم التي تتعانق في كل مدينة وقرية، منذ قرون حيث آمن الإنسان بربه.
يا “بابا” الإنسانية…، ستقرأ رسائل أطفال وعائلات فلسطين المحرومين من حقهم بحياة حرة .. ولعل الهدايا الرمزية التي قدموها لك مجبولة بالحب والاحترام والأمل تترجم ما قلته بكل أمانة إن “ الرسالة وصلت “ . هدية الأمهات الفلسطينيات “ بطاقة “تطريز” طرزنه بالدمع والأمل، وخشب الزيتون المعلق به مفتاح العودة، والمشاعر والأمل بحل القضية الفلسطينية والتخلص من الاحتلال المكتوبة على الورق بكل لغات العالم، التي تم تسليمها لك في مركز الدهيشة للاجئين المسمى “ الفينيق “ لشعورهم أنه من الرماد المحترق يمكن أن تنبعث حياة . أطفال فلسطين تمتعوا بمباركتك لهم والصلاة في بيت لحم من أجل السلام والمحبة . وها هم ينتظرون وهم يصلون لك” كما طلبت منهم “ ومع تمنياتنا لك بالصحة والسلامة دوما !!