انشغل الرأي العام الشعبي والرسمي في الأردن وبشكل واسع بقضية الذهب الأصفر الذي كان ولا يزال سيّد الثروات الطبيعية الثمينة لأي أرض يوجد فيها. وأصبحت منطقة ( هرقلة ) في محافظة عجلون تحت الاضواء لارتباطها بالذهب. جرى هذا رغم ما يحصل في عالمنا العربي من أحداث سياسية وحروب وفوضى تحتل الجغرافيا وتعبث بالنسيج الاجتماعي والاقتصادي بشكل مدمر. أما عجلون فقد أشيع منذ فترة من الزمن أن فيها “ ذهبا كثيرا “ يعود الى زمن الامبراطورية البيزنطية، وبشكل خاص في عهد الامبراطور هيرقل.
سواء أكان هيرقل ترك ذهباته في عجلون أو متناثرة هنا وهناك، فيكفي أن يصبح الذهب الأصفر” النادر “ الذي كان مطمع الباحثين عن الثروات الطبيعية وحرمان الشعوب منها في افريقيا وغيرها من دول العالم، يبرق ويلمع في عجلون لينافس “ الذهب الاسود “ أي البترول الذي اخذ لقبه من زميله منذ اكتشافه في منطقتنا العربية الواسعة منذ ستينيات القرن الماضي. أصبح “الذهب الاسود “ سبب وضع أعين المستعمر عليه والطامع بالجغرافيا والموقع الاستراتيجي الذي لن تنضب منه الحياة لقرون طويلة قادمة. فالذهب الأصفر، وإن ظل “ الثمين “ لندرته، فالذهب الأسود الكثير في الشرق الاوسط وبشكل خاص في الخليج وشبه الجزيرة العربية، هو اليوم مطمع الامبراطور الاكبر في العالم- أمريكا- المفضل لديه والذي يدر عليه المال والجاه والعز أكان الذهب أصفرا أم أسودا..
الذهب في منطقة (هرقلة ) في عجلون سواء أكان صحيحا أم مجرد هوس الناس بالقصص الحقيقية والخرافية وتأتي بشكل الاشاعة، التي سارت “كالنار في الهشيم “, لتصبح الموضوع الاهم في الأحاديث الاجتماعية والاماكن العامة. بالاضافة الى وسائل الاعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي، ما يجعلني أتوقف عند سبب الاهتمام الكبير بقصص الذهب والبحث عنه التي طغت على القصص الاهم في الايام الاخيرة.. كما هو معروف في دراسات الاعلام ووسائل الاتصال الجماهيري، فالرأي العام يتأثر بما يتلقاه من معلومات سواء أكانت حقيقية او غير دقيقة،. ومنها الشائعات التي تبنى على الروايات الشفهية غير الدقيقة، وبخاصة في أيام الحروب من خلال ما يسمى “ بالحرب النفسية “. وأعتقد بدوري أن أجواء الحروب الدائرة في منطقتنا وآثار حروب اسرائيل السابقة واللاحقة، وأساليبها في اطلاق الاشاعات عن المخاطر التي تهددنا من غير الناسية نفسها، ما يجعل الناس فعلا في حالة “ حرب نفسية “ دائمة. وفي مثل هذه الحالة يصبح لدى اي انسان الاستعداد لتصديق كل ما يقال. يساهم في ذلك عدم وجود المعلومة الاكيدة مما يعزز الاشاعة او تأثيراتها على الفرد والجماعة.
بالاضافة، فالوضع المعيشي للناس الذي لا يسر الفقير ولا من هم من الطبقة الوسطى المتآكلة، الذين يحلمون، بأن تكون الاشاعات حقيقية، ليتحسن وضع الدولة التي تبحث عن مصادر التمويل من أجل حياة أفضل للمواطن أو لذلك الشخص الذي يعتقد أن ذهبات هرقل ستفتح له باب الرزق والحياة الارغد. ولعل الاشاعات التي” اطلقت “ تساهم في رفع ثمن الاراضي في تلك المنطقة، التي يمكن أن تصبح سياحية من الدرجة الاولى.!! كلي أمل أن لا يأتي “هرقل الجديد “الطامع بالذهب الأصفر لينبش مع أصحاب الأراضي وذهبات هرقل بحثا عن خيرات الأرض، والسؤال، لا يزال، من ايقظ هرقل ولماذا ؟