إنهم يرحلون ويهاجرون من إسرائيل وعلى امتعاض ممن يحكم الدولة التي قامت وفق رغبات مجنونة لاقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين . تشير الاحصائيات الأخيرة حسب المصادر الرسمية الاسرائيلية , الى رحيل 800 الف يهودي من اسرائيل مؤخرا . توجه هؤلاء الاسرائيليون الذين جلهم من الشباب والعلمانيين الى اوروبا وأمريكا , والغالبية فضلت الاستقرار في برلين, المانيا . يرحلون بعد كل الأساليب التي استعملتها الصهيونية العالمية لجلب يهود العالم الى « أرض الميعاد « خلال حقبات طويلة . كانت بداية مرحلة التاسيس للوطن القومي اليهودي , في فلسطين , في نيسان من 1918 , عندما وصلت بعثة برئاسة حاييم وايزمن وعضوية ديفيد أدر . ومنذ اللحظة الاولى باشرت البعثة بتنفيذ الخطة المحكمة التي وضعتها المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية . ولعل ما جاء فيها يؤكد لنا اليوم أن هدفهم كان منذ البداية استعمار فلسطين استعمارا من نوع جديد لا يقيم أي اعتبارات للقوانين الدولية أو حقوق الانسان..
إسرائيل لم تنته بعد من تطبيق الخطة , ولذلك تتصرف اليوم بالاساليب التي أصبحت معروفة عنها وهي عدم الالتزام بالقوانين والقرارات الدولية بالاضافة لاستمرارها باثارة الحروب . تستمر في خططها الاستعمارية التي تعتمد على قتل الفلسطينيين والتنكيل بمن يظل حيّا علّه يرحل عن أرضه وبيته . كانت حيازة الأرض ونقل ملكيتها لليهود بشتى الوسائل أهم الأهداف الموضوعة . بالاضافة الى العمل على أدخال المهاجرين اليهود باعداد كبيرة , واسكانهم في المدن والقرى بعد طرد أهلها لاقامة المستوطنات عيها وبخاصة الاراضي الزراعية . وقد تطور ذلك ليتم الاستيلاء على سهول ووديان وتلال واراضي صحراوية في كافة أنحاء فلسطين.وبالطبع وضعت للقدس خططا ا لنكون عاصمتها الأبدية . دعم زعماء اليهود الاثرياء بين 1882-1939 الى ادخال المهاجرين من الفلاحين والمزارعين والعمال .
كما دعوا في الهجرة الثانية التي دعمتها الجمعية الاستعمارية اليهودية والصندوق القومي اليهودي , الفنيين من المهندسين والاطباء وأساتذة الجامعات والخبراء والفيزيائيين والمهرة من الصناعيين , وقدر العدد ب 35-40 الفا . أكثرهم من روسيا القيصرية .
ظل الاسرائيليون لسنين عديدة يخجلون من عدم تلبية رغبة الصهيونية « بالعودة لاسرائيل « وكانوا يخشون من اتهامهم بالخيانة فيما اذا رحلوا بعد كشفهم خداع الصهيونية . الا أن هذا كما نرى اليوم قد أصبح غير ذي بال . وقد وجد الكثيرون من الشباب الاسرائيلي , أنهم يخدعون أنفسهم اذا ما ظلوا يعيشون في اسرائيل , وبخاصة من التيارات اليسارية . الذين يرفضون سياسة المتطرفين والفرض الديني . بالاضافة, فإن غلاء المعيشة وعدم الشعور بالامن ورفض الانتهاكات الوحشية للفلسطينيين ما يجعلهم لا يخافون من القول إننا راحلون في وجه المتطرفين والعنصريين . وفي أغنية اسرائيلية كما يشير خبر عن الذين رحلوا أو سيرحلون . يتساءل الشباب , لماذا يظلون في اسرائيل ؟ولماذا لا يذهبون الى مكان يحقق رغباتهم وطموحاتهم التي تلتقي مع طموحات الشباب في البلدان التي يختارونها .
موضوع الهجرة المعاكسة , كانت ولا زالت تقلق السلطات الاسرائيلية , وبخاصة وقد بدت سياساتهم العنصرية والاستعمارية واضحة . وايضا لأن الهجرة اليهودية وجلب اليهود الى اسرائيل كانت جزءا لا يتجزأ من حشد يهود العالم وتسليحه من أجل تحقيق اهداف استيطانية استعمارية على حساب الشعب الفلسطيني . وكما يبدو , ضاق الشباب اليهودي ذرعا بالخطط الصهيونية العتيقة والمتجددة الدموية . ولا غرابة إذن أن يقوم هذا العدد المتزايد منهم بالهجرة المعاكسة والتي تتفاعل بشكل واضح . ولعل لسياسة اسرائيل المتخبطة بعد حربها الاخيرة على غزة ومواصلتها سياستها العسكرية هي أحد الاسباب في جعل مستقبل اسرائيل غير مضمون , ويجعل ارتباط مهاجريها بفلسطين الأرض العربية الفلسطينية المسروقة غير مضمون أيضا . ولعل هذا الاصرار الفلسطيني بحقهم بالعودة ما يخيف مواطني اسرائيل ويشجعهم على الرحيل بحثا عن مستقبل حياة أكثر أمنا وسعادة !!